المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون و أشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الذى لا شبيه له ولا مثيل و لا ند و لا عديل المنزه عما يخطر بالبال أو يتوهم فى الفكر والخيال فالعقول فى الإحاطة به عقال جل أن تبلغه الأوهام أو أن تدركه الأفهام أو أن يشبه الأنام أو أن تحيط به الأجسام .
و أشهد أن محمدا خاتم الأنبياء و المرسلين هدانا إلى أقوم الطرق و أفضل السبل وأنزل الله عليه أعظم الكتب ((القرآن)) فحفظه من التبديل و التغيير والتحريف والنقصان و جعله أية و معجزة على مر الأزمان فأكمل الله به الدين و أتم به النعمة على المسلمين قال تعال " اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا"1
فصلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم صلاة و سلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين أما بعد :
فقد رضي الله لعباده الدين الذى أكمله فلا نحتاج لشيء أخر إلى قيام الساعة و حذرنا سبحانه من إتباع السبل الخداعة فقال سبحانه " و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله "2
فسرها النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطا مستقيما ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطا ثم قال "هذا سبيل الله و هذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه" ثم قرأ الأية3.
و قد روى البخاري ومسلم فى صحيحيهما من حديث حذيفة بن اليمان رضى الله عنه أنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في الجاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال " نعم " . قلت وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال"نعم وفيه دخن " . قلت وما دخنه ؟ قال " قوم يهدون بغير هدي تعرف منهم وتنكر " . قلت فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال " نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها " . قلت يا رسول الله صفهم لنا؟ فقال " هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ".
هكذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الشياطين الذين يدعون إلى سبل الغواية والضلال فهم من جلدتنا و يتكلمون بألسنتنا أى بألسنة أهل الإسلام فيتكلمون بالكتاب و السنة بعدما يحرفون معانيهما لتوافق ما يدعون إليه من باطل متسترين باسم الدين متقنعين بمظاهر أهل الحق فكأنهم حين تراهم من أهله و من دعاته حتى إذا أجابهم مجيب تلقفوه فقذفوه فى النار .
و هؤلاء الشياطين من الأنس و شركاءهم من شياطين الجن يستغلون فى نشر دعواتهم فشو الجهل بالدين وبعد الناس عن نبعه الصافي كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيستهدفون ضعفاء الإيمان و متزعزعي العقيدة و متبعي الشهوات و الأهواء لذلك تجد أن متبعيهم إما جهلة غرر بهم و إما أناس اتبعوا شهواتهم و اثروا الحياة الدنيا ووجدوا فى هذه الملل متسع لإشباع تلك الشهوات فانتحلوها سعيا وراء الدرهم والدينار و المنصب والرياسة والشهرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تكون بين يدي الساعة فتنا كقطع الليــل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيـــــــع أقوام دينهم بعرض من الدنيا "1.
و إن من أخطر الدعوات وأعظم الفتن التى فتن بها هؤلاء الشياطين كثيرا من الناس هو تعظيم شخص و رفعه والتعلق به حتى يؤول الأمر إلى عبادته .
و أول من أظهر هذه الفتنة و أستخدمها لهدم الدين الإسلامي هو اليهودي المعروف بابن السوداء عبد الله بن سبأ اليهودي فقد حمله الحقد على أهل الإسلام بعدما طهر الله بهم أرض جزيرة العرب من دنس اليهود إلى أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر فيتمكن من الكيد للإسلام وأهله فأظهر الورع والفقه و أخذ يستقطب حديثي الإسلام من المجوس و غيرهم و غرس فى نفوسهم تعظيم على بن أبى طالب رضى الله عنه حتى أوصلهم إلى أن قالوا لعلى يوما أنت ربنا ففزع على رضى الله عنه من هول مقالتهم و حبسهم و جعل يطلب توبتهم ثلاثة أيام فلما لم يتوبوا و أصروا على كفرهم أوقد نارا و دعى مولاه قنبرا و قذفهم فيها و أنشد قائلا :
إني لما رأيت الأمر أمرا منكرا أوقدت ناري و دعوت قنبرا
وكان هذا هو بداية غرس تعظيم شخص فى هذا الدين و الذى أثمر بعد ذلك فرق الرافضة ( الشيعة ) و التى تقوم بشكل أساسي على تعظيم على و الأئمة حتى كان من نبت الرافضة فرقة تسمى بالباطنية والتى أسست فى عهد الخليفة المأمون على يد الزنديق ( ميمون بن ديصان القداح ) و هدفها الرئيسي إبطال الشريعة بأسرها و القضاء على الدين و نسخه فهم أصحاب ملة خبيثة قال فيهم الإمام الإسفرايينى رحمه الله فى كتابه ـ التبصير فى الدين ـ " و فتنتهم على المسلمين شر من فتنة الدجال فإن فتنة الدجال إنما تدوم أربعين يوما و فتنة هؤلاء ظهرت أيام المأمون و هى قائمة بعد ".
ذكر أهل التواريخ أن الذين وضعوا دين الباطنية كانوا من أولاد المجوس قال بن طاهر فى الفرق بين الفرق "وليست الباطنية من فرق ملة الاسلام بل هي من فرق المجوس"ولكن لما لم يقدروا على إظهار الدين المجوسي مخافة سيوف المسلمين وضعوا مذهبهم على مداهنة أهل الإسلام و التظاهر بأنهم منهم كما قال النبى صلى الله عليه و سلم " هم من جلدتنا و يتكلمون بألسنتا " ثم راحوا يبثون سمومهم فى الأمة عن طريق التفسير الباطنى للنصوص فادعوا أن للنصوص ظواهر وبواطن تجرى فى الظاهر مجرى اللب من القشر فظاهر النصوص عندهم للعوام والجهلة و الحمير والأغبياء على حد وصفهم أما بواطن النصوص فهى للعقلاء و الأذكياء منهم فحولوا الآيات إلى رموز و إشارات و أعداد ترمز فى زعمهم إلى حقائق معينة تخدم دعواهم الباطلة و تناقض شريعة الإسلام و تنقضها
فمن توصل إلى معرفة بواطن النصوص توصل للحقيقة و من وقف نظره على ظاهر النصوص نزح تحت الأواصر والأغلال التى هى عندهم التكليف الإلهي
( الأوامر و النواهى الشرعية ) .
ومن يرتقى إلى علم الباطن عندهم يرفع عنه التكليف فلا يتعلق به خطاب الشارع فى أى شىء فلا صلاة عليه و لا زكاة ولا صوم و لا حج و لا يحرم عليه شىء فله أن يفعل ما يشتهى من معاقرة الخمور أو الزنا حتى مع المحارم او حتى اللواط أو إتيان البهائم.
ففتحوا بذلك باب إشباع الشهوات على مصرعيه حتى يجتذبوا سقطة الناس و أراذلهم و فتحوا كذلك باب التفسير الباطنى للقرآن فتلقفه كل صاحب هوى و بدعة و أخذ يلوى عنق النصوص و يؤولها إلى ما يؤيد بدعته و يتماشى مع هواه من غير إحتكام للضوابط الشرعية و اللغوية المصطلح عليها عند أهل العلم .
كان من جملة الباطنيين رجل يدعى ( عبيد الله القيرواني) كتب مرة إلى (سليمان بن الحسن القرمطي الباطني) يقول " أوصيك بتشكيك الناس فى التوراة و الإنجيل والقرآن فإنه أعظم عون لك". ومما جاء فى رسالته " وأعجب من هذا فى دينهم ـ أى المسلمين ـ أن الواحد منهم تكون له ابنة حسناء يحرمها على نفسه و يبيحها للأجنبي و لو كان له عقل لعلم أنه أولى بها من الرجل الأجنبي و لكنهم قوم خدعهم رجل بشيء لا يكون أبدا خوفهم بالقيامة و النار و مناهم بالجنة و استعبدهم".
كل هذا الكفر البواح الذى يظهر جليا فى معتقد الباطنية و تراهم مع ذلك يتسمون بأسماء المسلمين و يخالطوهم مخفين مذهبهم بل ربما صلى الواحد منهم صلاة المسلمين متسترا بها .
و أصل عقيدتهم إبطال الدين و نقض الشريعة و الصد عن العبادات و إنكار البعث و الحساب و الجنة و النار حتى تشيع الفواحش و حتى ينهدم الدين و تنهدم الأمة.
و قد ذهب العلماء إلى أن الباطنية كفار خارجين عن ملة الإسلام قال الإمام أبو حامد الغزالي ـ رحمه الله ـ فى كتابه فضائح الباطنية " والقول الوجيز أنه يسلك فيه ـ أى الباطنى الكافرـ مسلك المرتدين فى النظر فى الدم و المال و النكاح و الذبيحة و نفوذ الأقضية و قضاء العبادات".
بل كان العلماء يرون أن كفر هؤلاء أعظم من كفر اليهود و النصارى كما قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ و أن قولهم يتضمن الكفر بجميع الكتب و الرسل كما نقل شيخ الإسلام عن الشيخ إبراهيم الجعبري لما أجتمع بابن عربي ( و كان باطنيا ) فقال " رأيت شيخا نجسا يكذب بكل كتاب أنزله الله و بكل نبى ارسله الله".
فنخلص مما سبق أن الباطنية :
كفار تظاهروا بالإسلام و أستبطنوا الكفر و العداء للإسلام وأهله و أنهم يأولون النصوص وفقا لما يخدم مذهبهم الباطل.
وقد توالدت هذه الفرقة و تشعبت فخرج منها من فرق الغواية والضلال الكثير مثل القرامطة الذين اقتحموا الحرم سنة 317هـ و نهبوا الحجاج و أقتلعوا باب البيت و الحجر الأسود و ظل خارج الحرم فى حوزتهم حتى سنة 339هـ .
ومثل الإسماعيلية و التى انقسمت بدورها إلى فرق شتى ومثل النصيرية الذين يقولون بحلول الله فى على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
و من هذه الفرق الدروز عبدة الحاكم بأمر الله الفاطمي ومنها القاديانية والأحباش و الشيخية .
ومن هذه الفرق الباطنية (البابية )و (البهائية) و التى هى حديث الساعة وموضوع هذا المختصر عباد الميرزا حسين على النوري المازندراني الإيراني الذى لقب نفسه بـ ( بهاء الله ) عملاء الصهاينة اليهود الذين احتلوا بهم فلسطين و يريدون أن يغزوا بهم هذا البلد الأمين مصر وسائر بلاد المسلمين .
نحاول أن نقف على شىء من تاريخ هذه النحلة و نتعرف على عقيدتها الفاسدة
و لنكشف قناع التقية و الكذب الذى يتقنعون به فيوهمون الناس أنهم دعاة محبة
و سلام و أنهم أصحاب ديانة و عقيدة سماوية و نظهر بحول الله و قوته الوجه الوثنى الإباحي الدميم لهذه الملة حتى نكون على حذر من فتنتها فإن من لم يعرف الشر وقع فيه .
--------------------------------------------------------------------------------
1 سورة المائدة : 3
2 الأنعام : 153
3 أخرجه أحمد و والنسائي فى الكبرى و الحاكم فى مستدركه من حديث بن مسعود رضى الله عنه .
1 أخرجه أحمد ومسلم و الترمذي و بن حبان و الطبراني فى الأوسط جميعهم من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبى هريرة