البهائية والأنبياء
أما عقيدة البهائية فى الرسل و الأنبياء فهى الأخرى تنضح بتقديس البهاء إذ يرفعونه فوق كل الرسل و الأنبياء فيزعمون أن كل الرسل جاءت لتبشر به و أن الله يظهر لعباده من خلال رسله و البهاء هو أكمل الهياكل التي يظهر فيها الله ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ و يزعمون أن باب الرسالة مفتوح لم يغلق و أن كل دورة - مصطلح مخترع- لها رسول و الدورة ألفا عام (2000 عام) و أن هذه دورة البهاء .
ومن دراسة التاريخ نعلم أن بين عيسى عليه السلام و بين محمد صلى الله عليه وسلم واحد و سبعين وخمسمائة عاما (571 سنة) و كان لوط وإسماعيل
معاصرين لإبراهيم وكان يوشع معاصرا لموسى وكان زكريا ويحي وعيسى عليهم السلام فى زمن واحد وكان يوسف معاصرا ليعقوب عليهم صلاة الله و سلامه أجمعين ، فأى كذب يتكلم به هؤلاء .
وقد ختم الله بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم باب الرسالات و أكمل به الدين و أتم به النعمة على المسلمين فما الحاجة إلى رسول جديد بعدما أتم الله الدين الذى ارتضاه لخلقه قال تعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ))
ويحاول هؤلاء التلاعب بنصوص الكتاب والسنة و تحريفها لأنهم يعلمون أن المسلمين سيكذبونهم فقد قال الله تعالى : (( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين و كان الله بكل شئ عليما )) فهم يحاولن المرواغة فيتكلمون بما يكشف جهلهم باللغة العربية فيقولون خاتم النبيين و ليس خاتم المرسلين وقد كان البهاء رسولا لا نبيا ، ورحم الله الشيخ عبد الحميد كشك لما جاءه بهائيون يناقشونه فى أن بهاءهم رسول و ليس نبيا ، قال (( فقلت لهم عرفوا لنا النبوة و الرسالة فكان الجواب جهلا فقلنا لهم القاعدة الأصيلة فى العقائد أنه لا نبوة بلا وحى و لارسالة بلا نبوة ومن لم يوح إليه فليس نبيا و من انتفت نبوته فقد انتفت رسالته إذ لا رسالة بلا نبوة))
وأما قولهم خاتم النبيين أى حلية النبيين فمنشأه جهلهم الكبير باللغة إذ أن الخاتم فى اللغة آلة الختم و الطبع على الشىء دلالة على آخره ، قال بن منظور فى لسان العرب : (( خِتامُ القَوْم وخاتِمُهُم وخاتَمُهُم آخرُهم و خاتم النبيين آخرهم)) وبهذا المعنى فسر المفسرون الآية .
قال القرطبي رحمه الله فى تفسيره نقلا عن بن عطية فى تفسير الخاتم بالآخر قال (( هذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفا و سلفا متقاة على العموم التام مقتضية نصا أن لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم)) ثم رد على تفسير الخاتم بالحلية بقوله (( و هذا إلحاد عندى و تطرق خبيث إلى تشويش عقيدة المسلمين فى ختم محمد صلى الله عليه و سلم النبوة فالحذر الحذر منه والله الهادي لرحمته)) انتهى كلام القرطبي رحمه الله .
وقد روي البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إن مثلي و مثل الأنبياء من قبل كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضوع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضع هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)).
وفي رواية مسلم (( فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء)).
وروى البخاري ومسلم والترمذي و غيرهم و اللفظ للترمذى من حديث جبير بن مطعم عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي))
ولقد تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهور هؤلاء الكذابين الأفاكين الذين يوحى إبليس إليهم و يزين لهم سوء أقوالهم وأعمالهم
فقال صلى الله عليه وسلم (( لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله)) هكذا رواه البخاري باب علامات النبوة وروى مسلم فى كتاب الفتن و أشراط الساعة من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم "
وقال الإمام بن كثير فى تفسيره لقول الله تعالى " ولكن رسول الله و خاتم النبيين" بعد ما ذكر ما سبق من الأحاديث الدالة على ختم الرسالة برسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم : "و قد أخبر الله تبارك وتعالى فى كتابه و رسوله صلى الله عليه وسلم فى السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب وأفاك دجال ضال مضل "اهـ . و قال رحمه الله : "وكل واحد من هؤلاء الكذابين يخلق الله تعالى معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب من جاء بها وهذا من تمام لطف الله تعالى بخلقه فإنهم بضرورة الواقع لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر ويكون في غاية الإفك والفجور في أقوالهم وأفعالهم كما قال تعالى : ((هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم ))1 الآية وهذا بخلاف حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنهم في غاية البر والصدق والرشد والاستقامة والعدل فيما يقولونه ويفعلونه ويأمرون به وينهون عنه مع ما يؤيدون به من الخوارق للعادات والأدلة الواضحات والبراهين الباهرات فصلوات الله وسلامه عليهم دائما مستمرا ما دامت الأرض والسماوات
وقد علم ذلك الأفاك الأثيم الذى تنزلت عليه الشياطين المدعو بالبهاء أن الناس قد يتساءلون عن معجزاته الحسية إذ أن سنة الله ماضية فى أنبيائه بتأييدهم بالمعجزات و كذلك سنته جل وعلا ماضية فى خذلان الأفاكين والكذابين و فضحهم وإظهار عجزهم فذهب هذا الكذاب إلى إنكار المعجزات التى أجراها الله على أيدي الأنبياء تأييدا لهم كعصا موسى و ناقة صالح و إحياء عيسى الموتى و إبرائه الأكمه و انشقاق القمر لمحمد عليهم صلوات الله و سلامه أجمعين .
فأخذ يتلاعب بمعاني هذه النصوص فى الكتب السماوية و يأولها تأويلا باطلا لا يقره من له أدنى علم باللغة لكي لا تدل على حصول إعجاز للأنبياء فلا يطالب أحد بمعجزة فجعل عصا موسى هي عصا الأمر والحية هي ثعبان المقدرة واليد البيضاء بيضاء المعرفة ونفى معجزة عيسى أنه أبرأ الأكمه والأبرص فجعل الأكمه (الجاهل) وإبراءه بالعلم والأبرص (الضال) وإبراءه بالهداية وأوّل إحياء الموتى بتعليم الجاهل و ما أرى ذلك إلا حقدا منه على أنبياء الله ورسله إذ أيدهم الله بالمعجزات و أخزاه هو على رءوس الأشهاد .
--------------------------------------------------------------------------------
1 الشعراء 221 ، 222