سورة العصر:
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }
* بين يدي السورة:
مكية / مدنية: مكية
الترتيب في المصحف:103
الترتيب في النزول:13
عدد آياتها:3
عدد كلماتها:14
عدد حروفها:70
* سبب النزول: لا يوجد
* التفسير:
{ وَالْعَصْرِ (1)}
أقسم الله تعالى بالعصر, ولله أن يقسم بما يشاء, أما العبد فلا يقسم إلا بالله تعالى لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد أشرك"[رواه أحمد وغيره]وقوله "من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت"[متفق عليه].
وذكر المفسرون في المراد بقوله { والعصر } أقوال :
أحدها : أنه الدهر (الزمان كله) ، قاله ابن عباس وغيره, وإنما أقسم بالدهر لأن فيه عبرة للناظر من مرور الليل والنهار على تقدير محكم, وما فيه من الأقدار الدالة على عظيم قدرة الله تعالى.
والثاني : أنه عصر النبوة. أقسم به لأفضليته على ما سبقه من العصور
والثالث : أنه وقت صلاة العصر (كما أقسم بالضحى) , و أقسم به لفضيلة الصلاة فيه.
والرابع: صلاة العصر.أقسم بها لفضلها فهي الصلاة الوسطى التي قال الله تعالى فيها: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ }[البقرة : 238] وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر, ففي الصحيحين عن عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ:" مَلَأَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ".وفي لفظ:"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ :حَبَسُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا"
وورد في فضل صلاتي الصبح والعصر أحاديث منها ما في الصحيحين عن أَبِي مُوسَى الأشعري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ". وحذر الشرع من ترك الصلاة عمومًا ,ومن ترك صلاة العصر خاصة كما جاء في صحيح البخاري: عن بُرَيْدَةَ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ". وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "مَنْ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ".................................
{ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) }هذا جواب القسم . والمعنى : أن جنس الإنسان لا ينفك عن خسران ونقصان في مساعيه وأعماله وعمره. . وقيل : المراد بالإنسان هنا: الكافر .أي :إن الكافر لفي هلكة ٍ وشر ونقصان.
..........................
{إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }قوله:{ إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } أي : إلا الذين جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح ، فإنهم في ربحٍ لا في خسر؛ لأنهم عملوا للآخرة ، ولم تشغلهم أعمال الدنيا عنها ، والاستثناء هنا متصل إذا أريد بالإنسان: جنس الإنسان، ويدخل تحت هذا الاستثناء كل مؤمن ومؤمنة ومن قال : إن المراد بالإنسان الكافر فقط ، فيكون الاستثناء منقطعاً .
{ وَتَوَاصَوْاْ بالحق } أي : وصّى بعضهم بعضاً بالحق الذي يحق القيام به ، وهو الإيمان بالله ، والتوحيد , والقيام بما شرعه الله ،واجتناب ما نهى عنه . { وَتَوَاصَوْاْ بالصبر } أي : وصّى بعضهم بعضًا بالصبر.
والصبر ثلاثة أقسام:
الصبر عن المعاصي حيث تميل إليها النفس.
والصبر على الطاعات لأنها تشق على النفس .
.والصبر على البلايا والمصائب التي تصيب الناس في الدنيا.
وفي جعل التواصي بالصبر قريناً للتواصي بالحق دليل على عظيم قدره ، وفخامة شرفه ، ومزيد ثواب الصابرين على ما يحق الصبر عليه, لذا قال تعالى : { إِنَّ الله مَعَ الصابرين } [ الأنفال : 46 ] وأيضاً التواصي بالصبر مما يندرج تحت التواصي بالحق ، فإفراده بالذكر ، وتخصيصه بالنص عليه لمزيد شرفه وسمو مكانته.
تنبيه : نجاة الإنسان لا تكون ، إلا إذا كمَّل نفسه بالإيمان ، والعمل الصالح ، وكمَّل غيره بالنصح والإرشاد ، فيكون قد جمع بين حق الله ، وحق العباد ، وهذا هو السر في تخصيص هذه الأمور الأربعة بالذكر ، في هذه السورة القصيرة. ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله : لو لم ينزل الله سوى هذه السورة لكفت الناس .
* البلاغة:
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البديع والبيان نذكر منها ما يلي :
1-إطلاق البعض لإرادة الكل [ إن الإنسان ] أي جنس الناس ، وجميع البشر ، بدليل الاستثناء ، والاستثناء معيار العموم.
2-التنكير للتعظيم [ لفي خسرٍ ] أي في خسرٍ عظيم ، ودمار شديد.
3-الإطناب بتكرار الفعل [ وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ] لإبراز كمال العناية به.
4-ذكر الخاص بعد العام [ وتواصوا بالصبر ] بعد قوله [ بالحق ] فإن الصبر داخل في عموم الحق ، إلا أنه أفرده بالذكر إشادة بفضيلة الصبر.
5-السجع غير المتكلف مثل [ العصر ، الصبر ، خسر ] وهو من المحسنات البديعية.