نواصل الحديث عن أركان الإيمان، الركن الثالث الذي يجب به، فهو الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله تعالى على رسله - عليهم الصلاة والسلام-, رحمة للخلق وهداية لهم.
والإيمان بالكتب يعني الإيمان بأنها أنزلت من عند الله حقاً، لا مرية فيه، فيؤمن العبد بذلك إجمالاً, ويؤمن بما سمي منها تفصيلاً، كالتوراة التي أنزلت على موسى - عليه السلام-, والإنجيل الذي أنزل على عيسى - عليه السلام-، والزبور الذي أوتيه داود - عليه السلام-, وآخرها القرآن الكريم الذي أنزل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم-, ويلزم من ذلك التصديق بما أخبرت به، مما لم يحرف منها, والعمل بما نسخها كلها، وهو القرآن الكريم: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه) أي: حاكماً.
وهذا الإيمان ركن من أركان الإيمان، لا يتم إيمان العبد إلا به, ومن يخالفه يكفر, قال سبحانه: (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً).
والكتب السماوية تتفق بأنها من عند الله تعالى, وأنزلت لهداية البشر: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت), وقررت قواعد مشتركة، منها: مسائل الإيمان بالله, والدعوة للعقيدة الصافية, ومكارم الأخلاق و الحكم، والعدل بين الناس, ومحاربة الشر، والفساد ، والانحراف, وجاءت بكثير من العبادات كالحج، والصوم, وتختلف بكثير من الشرائع التفصيلية ،هذا مما يجيب الإيمان به في الكتب, وليعلم أن آخر هذه الكتب المنزلة هو القرآن الكريم، فهو خاتمها، وأشملها، وأطولها, والحاكم عليها, فهو رسالة الله الخاتمة لجميع الخلق, ولذا تكفل الله بحفظه، ولا يقبل من أحد سواه, وبناءً على هذا فيجب أن يؤمن بأنه كلام الله المنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، المتعبد بتلاوته, المأمور بالعمل بأوامره, قال عنه السيوطي - رحمه الله-: (كلام الله الذي لا تزيغ به الأهواء, ولا تلتبس به الألسنة, ولا يشبع منه العلماء, ولا يخلق من كثرة الرد, ولا تنقضي عجائبه).
والإيمان بالكتب إجمالاً، وبالقرآن الكريم تفصيلاً يعني:
قراءته, وترديده, وترتيله, وتأمله, وحفظه, أو حفظ شيء منه, وتصديق أخباره، والإيمان بحكمه, والوقوف عند متشابهه, والعمل بأوامره, والانتهاء عن زواجره, وعبادة الله تعالى وفق ما فيه, هذا هو الإيمان بالقرآن, وإذا كان كذلك ظهر أثره على الفرد، والمجتمع، والأمة في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يقوى إيمان العبد, ويقرب من ربه, ويسير على صراط مستقيم لا اضطراب ولا اعوجاج وكان ممن أدّى شكر نعمة الله عليه, وسلم من الزيغ والانحراف, والتخبط الفكري والعملي, وينشرح صدره, ويطمئن قلبه, ويفرح بنعمة الله عليه ومنته, مهتدياً بهدي الله تعالى, ويظهر أثره في الآخرة في النجاة يوم القيامة ودخول الجنة, والسلامة من النار, ورفعة الدرجات, وتكفير السيئات, والأمن يوم الخوف, وفوق ذلك كله رضا الله - سبحانه وتعالى-.
إن في تعامل كثير من الناس اليوم مع هذا الركن العظيم أخطاء قد توردهم مهالك, فالذين لا يؤمنون بهذه الكتب، أو يفضلونها على القرآن الكريم، أو لا يصدقون بهذا الكتاب العظيم, أو يتهمون جبريل - عليه السلام-، أو محمداً - صلى الله عليه وسلم- في نقصه، أو عدم بيانه, أو يرون أن تعاليمه تعاليم بائدة أو وقتية, أو هو تراث خالد لا يعمل به، أو أن تعاليم البشر أفضل منه، ونحو ذلك فقد ضلوا ضلالاً بعيدا، وكفروا كفراً بواحاً.
أما أولئك الذين لا يقرأونه ولا يتلونه, أو لا يحفظون شيئاً منه, أو يتساهلون في تطبيق بعض تعاليمه، فهؤلاء على خطر عظيم، فلينتبه هؤلاء وأولئك، وليستغلوا هذا الشهر المبارك بالمراجعة، والمحاسبة قبل فوات الأوان, وقبل أن يقول القائل ليت ليت، ولا تنفع شيئاً ليت, أسأل الله أن يحيينا على الإيمان، وأن يميتنا عليه، وأن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا، وغمومنا، وقائدنا إلى جنات النعيم.