تعرضنا في الحلقات السابقة كلها عن الركن الأول من أركان الإيمان، وما يحتويه من أنواع التوحيد، وأثر ذلك على الفرد، والأمة، وما ينبغي أن يقوم به العباد تجاه ربهم، والوسائل المعينة على تحقيق هذا الإيمان.
والآن نكمل الحديث عن الركن الثاني من أركان الإيمان، وهو: الإيمان بالملائكة، فكيف يكون الإيمان بالملائكة، وما تأثير ذلك على الإنسان في هذه الحياة؟ وكيف يحقق ذلك عملياً؟
الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان، لا يتم إيمان المرء إلا به، قال تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون*كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله..)، وجاء في حديث جبريل - عليه السلام- أنه سأل الرسول - صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان، فقال - صلى الله عليه وسلم-: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره).
والإيمان بالملائكة يعني:التصديق بوجوده والتصديق بأعمالهم التي كلفهم الله تعالى بها، وأن يقوموا بها في هذا الكون، فهم خلق من خلق الله، خلقهم الله لينفذوا أوامره، ويعبدوه حق عبادته، والملائكة من عالم الغيب، لا يراه البشر، ولا يعرفون عددهم، ولا كيفيتهم وخلقتهم، ولكن يجب أن يؤمنوا بوجودهم إيماناً جازماً، كما أخبر الله عنهم في كتابه الكريم، وكما أخبرنا عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وهم مخلوقون من نور، كما جاء في ذلك الحديث، ومن صفاتهم التي أخبر الله عنها، أنهم من أعظم جنود الله، قال تعالى: (ولله جنود السماوات والأرض)، وبين سبحانه شيئاً من مهماته، وهو ياتهم فقال سبحانه: (الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع)، فمنهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، أو أربعة، أو أكثر، وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم- جبريل وله ستمائة جناح.
وأعطاهم الله – سبحانه- قوة عظيمة، ومن ذلك أنه لو صاح المكلف فيهم في الخلق لأهلكهم، كما حدث مع قوم ثمود، قال تعالى: (إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتضر) وذلك عندما صاح بهم جبريل - عليه السلام-، فقطعت هذه الصيحة قلوبهم في أجوافهم، ومثله عندما رفع جبريل بجناحه قوم لوط، وهم في سبع قرى، حتى سمع الملائكة بنباح كلابهم، وصياح ديوكهم، ثم قلبها عليهم، ومثله نفخ إسرافيل - عليه السلام- في الصور، قال تعالى: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله).
وأعمال الملائكة مختلفة، فمنهم من هو موكل بحمل العرش، وعددهم أربعة، ويزيدون يوم القيامة فيصيرون ثمانية، ومنهم من يقوم على جهنم، وهم خزنة جهنم، أي الموكلون بالنار، وبتعذيب أهلها، ومنهم من هو موكل بالوحي، وبالأجنة في بطون الأمهات، وبالقطر من السماء، وبقبض الأرواح، وبحفظ أعمال بني آدم، وكل إنسان معه ملكان موكلان به، وبأعمال لا يعلمها إلا الله، وهكذا، ومنهم من سمي لنا كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ومالك خازن النار، ومنهم من لم يسم لنا، والمؤمن يؤمن بمن سمّي، ومن لم يسم وتؤمن بأعمالهم.
وهو يسبحون بحمد ربهم، ويؤمنون به، ويستغفروا للذين آمنوا.
والمؤمن وهو يؤمن بما ذكر، مما فصل، وما لم يفصل’، إذا عرف هذه الأمور، وآمن بها، فإن ذلك يؤثر على حياته، بما يقربه إلى ربه، فإذا علم بأن عليه ملائكة يحصون أعماله؛ فيتحفظ من أعمال الشر، ويحرص على أعمال الخير، ولا يظن أنه في معزل، لا يراه البشر، الذين تحصن عليهم، قال تعالى: (وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون)، وكما يرون الأعمال فيسمعون الأقوال، ويكتبونها على الإنسان، فإذا علم ذلك، وتيقن، حاسب في كلماته، وألفاظه.
ومن أثر الإيمان بالملائكة، ومحبتهم، فهم عباد الله الطائعين، الذين يحبهم الله تعالى، فنحبهم، ومن عاداهم فقد عادى الله: (من كان عدواً لله وملائكته وكتبه ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين)، هكذا يجب أن يكون المؤمن،ولا يكن غافلاً عن هذا الأمر العظيم، والركن القويم.