أعجب لبعض شبابنا في المناسبات والأفراح، يصيبهم شيء من الهيجان والاندفاع، ويصل بهم الحال إلى تكسير أو إتلاف الممتلكات العامة التي وُجدت لخدمة الناس وراحتهم، كالحدائق العامة والطرقات والمحال، والازدحام في الشوارع، وتعطيل مصالح المسلمين، وإدخال الضرر على من له مريض أو مضطر للعبور، ونحو ذلك من الضرورات، وهذا يحصل في مناسبات الأعياد واليوم الوطني والمباريات الدورية؛ فتجد بعضهم يتخلَّى عن مسؤوليته وسط صخب الجمهور وارتفاع الأصوات؛ فلا يسيطر على تصرفاته، إنما يتحول المهرجان إلى صخب وصياح وصجيج وضجيج.. فأين تعاليم ديننا الإسلامي من التعقُّل والانضباط ومراعاة النظام والذوق العام؟ أين قول الباري منّا حيث يقول تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً)، ويقول سبحانه: (وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)، وقال تعالى: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)؟ وما الفائدة المرجوة والرسالة التي يمكن أن تُقدَّم من هذا الشغب والفوضوية والهيجان؟! أليس من واجبنا امتثال تعاليم الإسلام والظهور بالمظهر اللائق الرّاقي والحضاري الإنساني، الذي يناسب رسالتنا العالمية الراشدة الخالدة؟! لقد حصل بزحام جماهير الكرة في شوارع مدننا تعطيل للسير، وإدخال الضّرر على المريض والحامل، وتأخير عودة الموظفين إلى بيوتهم، وإرباك لحركة المرور، وإزعاج للأحياء من إدخال القلق على أهل الحي بلا سبب شرعي، ومنهم من اشتبك مع رجال الأمن، كل هذا يقوم به أصحابها تعبيراً عن الفرحة، أو لإرسال رسائل في غمرة هذه المناسبات، فتأتي النتائج عكسية، ويقع إدخال الضرر على المسلمين، وفي الحديث: "لا ضرر ولا ضرار"، وأمر صلى الله عليه وسلم بكفّ الأذى عن المسلم، وإعطاء الطريق حقه، واحترام حقوق المسلم، والمحافظة على المرافق العامة؛ لأنها وُجدت أصلاً لتسهيل سُبل الحياة، وخدمة المواطن والمساعدة في حياة مستقرة له، فكيف تكون عرضةً للإتلاف، وأهدافاً للتخريب؟! والله يقول: (ولاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا).
والواجب على المسلم أن يسعى في العمار لا في التخريب، وفي الإصلاح لا في الإفساد، بل يجب على الإنسان الرَّاشد المحافظة على السبيل العام، والشجر النافع، والحدائق واللوحات الإرشادية، والساحات العامة، والجسور والأسواق والأندية ونحوها.. وحبّ الوطن لا يكون بإدخال الضّرر على مواطنيه، أو إزعاجهم؛ لأن حماية الوطن وأمن الوطن وجمال الوطن مسؤولية مَنْ يعيش على ترابه بلا استثناء، والأمة الرَّاشدة الرَّاقية المتحضرة تُعرف بتصرفاتها الواعية المسؤولة، والأمة الغوغائية المشاغبة الفوضوية يُستدل عليها من عبثها بمقدراتها وممتلكاتها، وأسباب رقيِّها ونهضتها، والعاقل خصيم نفسه، والرَّاشد له وازع من ضميره، وملهم من روحه ودافع من مسؤوليته بحب دينه وأمته ووطنه.