يروي ابن اللبانة أنه رأى أحد أبناء المعتمد وهو غلام وسيم, وقد اتخذ الصياغة صناعة له يتكسب منها لقمة العيش وكان يلقب أيام ملك ودولة أبيه بلقب سلطاني هو ((فخر الدولة )) فنظر إليه وهو ينفخ الفحم بقصبة الصائغ وقد جلس في السوق يتعلم الصياغة فقال ابن اللبانة :
شكاتنا لك يافخـر العـلا عظمـت والرزء يعظم ممن قـدره عظمـا
طُوِّقتَ من نائبات الدهـر مُخْنُقَـةً ضاقت عليك وكـم طوقتنـا نِعَمـا
وعاد طوقُكَ فـي دكـان قارعـة من بعد ما كنت في قصر حكى إرَما
صرَّفت في آلـة الصـواغ أنملـة لم تدر إلا الندى والسيـف والقلمـا
يـدٌ عهدتـك للتقبيـل تبسطـهـا فتستقـل الثريـا أن تكـون فـمـا
يا صائغاً كانت العليا تُصـاغ لـه حلياً وكان عليـه الحًلـيُ منتظمـا
للنفخ في الصور هَوْلٌ مـا حكـاه سوى هوْلٍ رأيتُك فيه تنفخ الفحمـا
وددت إذ نظرت عينـي إليـك بـه لو أن عيني تشكو قبـل ذاك عمـى
ما حطَّك الدهر لما حطَّ عن شـرفٍ ولا تحيَّف مـن أخلاقـك الكرمـا
لُحْ في العـلا كوكبـاً إن لـم تلًـحْ قمراً وقُم بها ربوة , إن لم تقم علما
واصبـر فربمـا أحمـدت عاقبـة من يلزم الصبر يحمد غبَّ ما لزما
والله لو أنصفتك الشهب لا نكسفـت ولو وفى لك دمع الغيث لا نسجمـا
أبكي حديثك حتى الدُّر حيـن غـدا يحكيك رهطـاً وألفاظـاً ومبتسمـا