أصول العبادة في الإسلام
إن الله جل و علا خلق الإنس و الجن و لم يتركهم هملاً بل خلقهم لأمر عظيم وهو عبادته سبحانه قال تعالى : -و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين - وفي عبادته شرفهم و سعادتهم في الدنيا و الآخرة و متى أعرضوا عن عبادته غشيتهم الظلمة وحلت بهم الشقوة لأنهم بحاجة إلى خالقهم و لا غنى لهم عنه طرفة عين مع أنه سبحانه و تعالى غني عنهم و لا حاجة له فيهم قال تعالى : - إن تكفروا فإن الله غني عنكم -. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير الآية ׃( لا يضره كفركم كما لا ينتفع بطاعتكم و لكن أمره و نهيه محض فضله و إحسانه عليكم ) . و لما كان العباد ليس بإمكانهم أن يعرفوا حقيقة العبادة التي ترضي الله لو وكلوا إلى أنفسهم أرسل إليهم الرسل و أنزل معهم الكتب لبيان تلك العبادة قال تعالى:- و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أن فاعبدون - وأصل العبادة هو التذلل و الخضوع قال طرفة في وصف ناقة :
تباري عتاقا ناجيات و أتبعت وضيفا وضيفا فوق مور معبد
فالمور هو الطريق و المعبد هو المذلل من كثرة وطء الأقدام , أما العبادة الشرعية التي جاءت على ألسنة الرسل فهي كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية
العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله و يرضاه من الأقوال و الأعمال الظاهرة و الباطنة ) والعبادة الشرعية تقوم على أصول ثابتة و ضوابط محكمة تتلخص في ما يلي :
1_ العبادة توقيفية : فالأصل في العبادة التوقف حتى يرد النص و لابد أن يكون المشرع لها هو الله وحده لأن التشريع حق لله دون سواه قال تعالى: - ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون - و من عبد الله وحده بغير ما شرع فهو مبتدع.
2_ الإخلاص : لابد أن تكون العبادة خالصة لله تعالى من شوائب الشرك فلا يبتغي المرء مع الله غيره ولا يرائي الخلق بعبادته قال تعالى :- و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين - . والإخلاص كما عرفه الإمام الهروي
تصفية العمل من كل شوب ) لأن كل عبادة اضطرب فيها الإخلاص و لحقها شيء من الشرك فهي باطلة قال تعالى: - و لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون -. وقال تعالى :- و لقد أوحي إليك و إلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك و لتكوننا من الخاسرين بل الله فاعبد و كن من الشاكرين - .
3_ المتابعة : فلا بد أن يكون المبين للعبادة و محل القدوة هو النبي – صلى الله عليه وسلم - فلا تؤدى العبادة إلا كما أداها لقوله تعالى :- لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة -. و قوله صلى الله عليه و سلم : (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) رواه مسلم و قوله : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) رواه الشيخان و قوله
خذوا عني مناسككم ) رواه مسلم و هذا الأصل مهم _ فاعرفه جيدا _ فبسبب جهله و عدم إدراكه زلت أقدام
و ضلت أفهام و تنكبت عن الحق أقوام .
4- لقد حدد الشارع الحكيم العبادة بمواقيت و مقادير معلومة لا يجوز لأحد تعديها أو تجاوزها فالصلاة مثلا لها كيفية محددة و زمن موقوت و أذكار مخصوصة قال تعالى :- إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا - . و كالصيام قال تعالى :- شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه - . و كالحج قال تعالى : - الحج أشهر معلومات -. و عليه لا يجوز لأحد أن يضع للناس أورادا أو أذكارا يتقيدون بها و يتعبدون بتلاوتها و ربما فضلوا تلاوتها على تلاوة القرآن الكريم كما تفعل الطريقة التجانية مع جوهرة الكمال .
5- لابد أن تكون العبادة قائمة على محبة الله و الذل له و الخوف منه و رجائه قال تعالى :- أولئك الذين يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب و يرجون رحمته و يخافون عذابه - . و قال تعالى : - قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم و الله لا يحب الكافرين - .و قال عن أنبيائه: - إنهم كانوا لنا خاشعين - قال العلامة ابن القيم الجوزية :
و عبادة الرحمان غاية حبه مع ذل عابده هما قطبان
و عليهما فلك العبادة دائر ما دار حتى قامت القطبان
6- العبادة لا تسقط عن المكلف من بلوغه سن التكليف إلى وفاته قال تعالى :- و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون -. و قال تعالى : - و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين - . و قال الحسن البصري ( إن الله لم يجعل لعمل المؤمنين أجلا دون الموت ) و ليس الأمر كما تزعمه غلاة الصوفية من أن العبد إذا حصلت له المعرفة و العلم و صار إلى حال تصوفي سقطت عنه العبادة حتى قيل لبعضهم لما تركتم الفرائض و ارتكبتم المحرمات قالوا ׃ ( وصلنا ) فقال أبو القاسم الجنيد ردا عليهم : < وصلوا إلى صقر >.