لا بد أن يقوم الباحث ببيان معنى الحد , ومعنى التعزير قبل بيان عقوبة شارب الخمر :
تعريف الحد : في اللغة بمعنى المنع ( ).
الحد اصطلاحا : عقوبة مقدرة شرعا لأجل حق الله ( ).
وقال الأستاذ عبد القادر عودة : الحدود : هي الجرائم المعاقب عليها , والحد :هو العقوبة المقدرة حقا لله تعالى .
ومعنى أنها مقدرة : أي أنها محددة فليس لها حد أدنى و لا أعلى و لا يجوز إسقاطها . ويكاد يتفق الفقهاء على هذا المعنى ( ).
إلا أن ابن القيم ( ) كان له تعريف أعم , و أوسع من التعريف الذي ذهب إليه الفقهاء.
فالحد الذي ذكره الشارع في القرآن يشمل ماذكره الفقهاء , و زيادة فالحد يراد به نفس الجناية أحيانا .
ويقول لم أجد دليل يدلل على تخصيص الحد في القرآن ,والسنة بما ذهب إليه الفقهاء بقولهم: عقوبات محددة شرعا بل هو محض اصطلاح قال به العلماء ( ).
و هو في مدارج السالكين لا ينكر ما ذهب إليه الفقهاء من تخصيص, لكنه رفض أن تكون هذه الإصطلاحات المحدثة على نصوص القرآن ( ).
التعزير : هو تأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود فهي عقوبات على جرائم لم يضع الشارع لها حد معين ( ).
والفرق بينهما بيّن وواضح : فالحدود لها عقوبات محددة لا محيص من توقيعها على الجاني .
أما التعزير فله مجموعة من العقوبات تبدأ بالنصح وتنتهي في بعض الأحيان بالقتل .
والذي يهمنا هنا أن نأكد على أن الحد له عقوبة مقدرة ومحددة ومعينة من قبل الشارع .
كما يظهر لنا أنه لا بد أن نفهم الحدود ونقررها ونعمل بها من خلال قاعدة " تدرأ الحدود بالشبهات "
• بيان عقوبة شارب الخمر :
لن ندخل في تعريف الخمر وبيان أنواعه, والخلاف الذي دار حول ماهيته .
بل سيقتصر الباحث على النظر في حقيقة هذه العقوبة وماهيتها , و لا بد أن يبين الباحث أولا أن شرب الخمر : هو فعل مجرم من قبل الشارع , وهو جريمة تستحق العقاب .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل تندرج عقوبة شرب الخمر تحت عقوبات الحدود بحيث لا زيادة و لا نقصان و لا إسقاط للعقوبة فيها , أم أنها من عقوبات التي تندرج تحت باب التعزير فيجوز فيها الزيادة والنقصان وفقا للحاجة .؟
المذاهب الفقهية وعقوبة شارب الخمر :
o المذهب الأول :
الذي ذهب إليه جمهور الفقهاء إلى إنها حد ولكنهم اختلفوا في مقدارها :
ذهب الحنفية ( ), والمالكية ( ), والحنابلة ( ), إلى أن حد شارب الخمر ثمانون جلدة .
بينما ذهب الشافعية ( ) والظاهرية إلى أنها أربعون جلدة .
o المذهب الثاني:
والذي ذهب إليه بعض العلماء إلى أن عقوبة شارب الخمر هي عقوبة تعزيرية ( ).
بيان ذلك :
القرآن الكريم وعقوبة شارب الخمر :
إن القرآن الكريم حرم الخمر تحريما قاطعا وواضحا لا لبس فيه , ولكن هذا التحريم لم ينزل دفعة واحدة بل نزل على أربع دفعات .
والمدقق في نصوص هذه الآيات لا يجد فيها أي أشارة تدلل على عقوبة شارب الخمر الدنيوية فضلا عن تقديرها :
السنة النبوية وعقوبة شارب الخمر :
• الأحاديث التي تخبر بأن النبي جلد ولكن لم تذكر مقدار الجلد :
1. عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اذا سكر فاجلدوه, ثم إن سكر فاجلدوه ثم إن سكر فاجلدوه , ثم قال في الرابعة فاضربوا عنقه( ).
2. قال النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ، ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ، ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ، ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ ، لا يَدْرِي الزُّهْرِيُّ بَعْدَ الثَّالِثَةِ ، أَوِ الرَّابِعَةِ ، فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ ، وَوَضَعَ الْقَتْلَ ، وَصَارَتْ رُخْصَةً وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : قَدْ أُوتِيَ بَعْدَ رَابِعَةٍ فَلَمْ يَقْتُلْهُ ( ).
• الأحاديث التي ذكر فيها أن النبي جلد وحدد مقدار العقوبة فيها :
1. قال علي ياعبد الله بن جعفر ، قم فاجلده ، فجعل يجلده ، وعلي يعد حتى بلغ أربعين ، فقال : أمسك جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين ، وجلد أبو بكر أربعين ، وجلد عمر ثمانين ، وكل سنة » ورواه يزيد بن هارون ، عن سعيد بن أبي عروبة ، وزاد ، فقال : وأبو بكر ، وعمر صدرا من خلافته أربعين ، وأتمها عمر ثمانين ، وكل سنة . ورواه عبد العزيز بن المختار ، عن عبد الله بن فيروز وقال : في الحديث : عن علي ، وهذا أحب إلي يعني أربعين ( )
• الأحاديث التي ذكر فيها أن النبي جلد ولكن الأحاديث صرحت بمقدار العقوبة بشكل تقريبي تقديري :
1. عن أنس بن مالك « أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل شرب الخمر ، فضربه بجريدتين نحوا من أربعين ، ثم صنع أبو بكر مثل ذلك ، فلما كان عمر استشار الناس فيه ، فقال عبد الرحمن بن عوف : أخف الحدود ثمانون » ففعل( ( .
2. عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد سكر قال : « فأمر قريبا من عشرين رجلا ، فجلده كل واحد جلدتين بالجريد ، والنعال »( ).
وفي حديث الزهري عن بن أزهر : " ثم أتي أبو بكر بسكران ، فتوخى الذي كان من ضربهم يومئذ ، فضرب أربعين . والرواية الثانية للحديث هي فيما روي :
3. َعَنْ أبي سَعِيدٍ قال جُلِدَ على عَهْدِ رسول اللَّهِ في الْخَمْرِ بِنَعْلَيْنِ أَرْبَعِينَ فلما كان زَمَنُ عُمَرَ جَعَلَ بَدَلَ كل نَعْلٍ سَوْطًا .
• الأحاديث التي تذكر أن النبي ضرب بالجريد والنعال مطلقا وفيها أن الصحابة هم أول من جلد :
1. عن السائب بن يزيد قال : كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وإمرة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين .
2. عن أنس قال : جلد النبي صلى الله عليه و سلم في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين .
3. أ ُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَارِبٍ وَهُوَ بِحُنَيْنٍ فَحَثَى فِي وَجْهِهِ التُّرَابَ ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَضَرَبُوهُ بِنِعَالِهِمْ وَمَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ حَتَّى قَالَ لَهُمْ ارْفَعُوا فَرَفَعُوا
فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ ثُمَّ جَلَدَ عُمَرُ أَرْبَعِينَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ ثُمَّ جَلَدَ ثَمَانِينَ فِي آخِرِ خِلَافَتِهِ ثُمَّ جَلَدَ عُثْمَانُ الْحَدَّيْنِ كِلَيْهِمَا ثَمَانِينَ وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ أَثْبَتَ مُعَاوِيَةُ الْحَدَّ ثَمَانِينَ( )
الإجماع وعقوبة شارب الخمر :
وممن حكى الإجماع على أنه يحد ابن حزم في مراتب الإجماع والقاضي عياض ( ), في فتح الباري لابن حجر ( ), وقد تعاقب على هذا الإجماع عالم كبير هو ابن حجر في فتح الباري ( ), ولكن الشوكاني ( ) يرفض حكاية الإجماع في هذا الموضوع ( ) .
أدلة من قال أن شارب الخمر يجلد حدا ثمانون جلدة مع المناقشة :
o بِأَنَّ عمَرَ جَلَدَ ثَمَانِينَ بعد ما اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ كما سَلَفَ ولم يكن هناك معترض فكان إجماع وَبِمَا ورد عن عَلِيٍّ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ يُجْلَدُ ثَمَانِينَ ,
وَبِمَا في حديث أَنَسٍ الْمَذْكُورِ أَنَّ النبي جَلَدَ في الْخَمْرِ نحو أَرْبَعِينَ بِجَرِيدَتَيْنِ ( ).
يجاب عن هذه الأدلة :
إن دعوى الإجماع دعوى فيها نظر لقول سيدنا علي بعد أن أمر جعفر بالتوقف عند الأربعين في الجلد " : جلد النبي أربعين , و أبو بكر أربعين وعمر ثمانين , وكل سنة , وهذا أحب إلي " يعني الأربعين .قاله النووي ( )
كما أن اختلاف الصحابة في مقدار الجلد كان قبل عهد عمر وبعده ( ).
كما أن هناك أحاديث تؤكد أن عمر هو أول من ضرب أربعين, فلما استحقر الناس العقوبة جلد ثمانين .
والتشديد في العقوبة لاستحقار الناس لمقدار العقوبة الأولى لا يمكن أن ندرجه تحت باب الحدود التي قرر العلماء بمن فيهم الحنفية لأن الحدود قد قدرها الشارع وحددها .
أما فهم حديث أن النبي جلد بجريدتين نحو أربعين , فهذا حديث ليس لهم الإستدلال به , إلا أن يفهم من كلامهم أن الجريدتين كانتا مع بعضهما فجلد بهما رسول الله أربعين
فالناتج ثمانون ( ).
فنقول لهم : كيف نفهم إذا حديث الذي رواه أنس بن مالك « أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل شرب الخمر ، فضربه بجريدتين نحوا من أربعين ، ثم صنع أبو بكر مثل ذلك ، فلما كان عمر استشار الناس فيه ( ) .
فلو فهم عمر هذا الفهم الذي فهمتموه لما استشار الصحابة .
وكيف نفهم أيضا حديث السائب بن يزيد قال : كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وإمرة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين.( )
ويجاب على كلامهم هنا أيضا لو فهم سيدنا عمر فهمكم لما جلد في البداية أربعين ثم جلد بعد ذلك ثمانين .
أدلة من قال أن عقوبة شارب الخمر أربعين حدا لا تعزيرا :
وقد استدل أصحاب هذا القول: بما روي عن سيدنا علي أن النبي جلد أربعين : قال علي ياعبد الله بن جعفر ، قم فاجلده ، فجعل يجلده ، وعلي يعد حتى بلغ أربعين ، فقال : أمسك جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين ، وجلد أبو بكر أربعين ، وجلد عمر ثمانين ، وكل سنة ( )
وبحديث : عن أنس بن مالك « أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل شرب الخمر ، فضربه بجريدتين نحوا من أربعين ( ).
وبحديث : عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد سكر قال : « فأمر قريبا من عشرين رجلا ، فجلده كل واحد جلدتين بالجريد ، والنعال ( ).
وبحديث : وَعَنْ أبي سَعِيدٍ قال جُلِدَ على عَهْدِ رسول اللَّهِ في الْخَمْرِ بِنَعْلَيْنِ أَرْبَعِينَ ( ).
أما بالنسبة للأحاديث العامة التي لم يحدد فيها مقدار الجلد عامة مخصصة بالروايات التي عينت المقدار .
الإجابة : يمكن أن نقول لهم : إن حديث علي معارض بأحاديث أخرى تثبت إن أول من جلد أربعين هو أبو بكر وأحاديث أخرى تثبت إن أول من جلد أربعين هو سيدنا عمر بن الخطاب .
فكيف يستقيم الخلاف هنا مع ما قد قرر بأن الحد له عقوبة مقدرة شرعا .
كما لنا أن نسأل ما المقصود بقول سيدنا علي " وكل سنة " . قال الإمام الشوكاني: الْمُرَادَ بِالسُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ في الحديث هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ وَفِعْلُ الْأَرْبَعِينَ في مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ ذلك سُنَّةً مع عَدَمِ الاسْتِمْرَارِ كما في سَائِرِ الرِّوَايَاتِ ( ).
وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ( )على ضَعْفِ الحديث بِقَوْلِهِ فيه: " وَكُلٌّ سُنَّةٌ " .
كما أن الأحاديث الأخرى التي استدل بها أصحاب هذا المذهب لا تدلل صراحة أن النبي جلد أربعين, أو أمر بذلك .
فلو لاحظنا ما أوردته الأحاديث : " فضربه بجريدتين نحوا من أربعين "."
فأمر قريبا من عشرين رجلا " ( ).
ولم يَثْبُتْ عن النبي الاقْتِصَارُ على مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ بَلْ جَلَدَ تَارَةً بِالْجَرِيدِ وَتَارَةً بِالنِّعَالِ وَتَارَةً بِهِمَا فَقَطْ وَتَارَةً بِهِمَا مع الثِّيَابِ وَتَارَةً بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ .
فعَنْ السَّائِبِ بن يَزِيدَ قال كنا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ في عَهْدِ رسول اللَّهِ وفي إمْرَةِ أبي بَكْرٍ وَصَدْرًا من إمْرَةِ عُمَرَ فَنَقُومُ إلَيْهِ نَضْرِبُهُ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا , وَأَرْدِيَتِنَا حتى كان صَدْرًا من إمْرَةِ عُمَرَ فَجَلَدَ فيها أَرْبَعِينَ( ).
وَالْمَنْقُولُ من الْمَقَادِيرِ في ذلك إنَّمَا هو بِطَرِيقِ التَّخْمِينِ , وَلِهَذَا ورد بالأحاديث " نحو من أربعين "كحديث أنس ( ).
وهذا أيضا يتعارض مع ما قد قرره الفقهاء أنفسهم من أن الحد له عقوبة مقدرة .
o أدلة من قال يجلد الشارب تعزيرا لا حدا :
1. عن السائب بن يزيد قال " كنا نؤتي بالشارب في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي امرأة أبي بكر , وصدرا من امرأة عمر فنقوم إليه نضربه بأيدينا ونعالنا , وأرديتنا حتى كان صدرا من امرأة عمر فجلد فيها أربعين , حتى إذا عتوا فيها وفسقوا جلد ثمانين "( ( .
2. عن أبي هريرة قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل قد شرب فقال: إضربوه فقال أبو هريرة فمنا الضارب بيده ,والضارب بنعله ,والضارب بثوبه .
فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله قال لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان ( ).
3. وعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال " ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت واجد في نفسي منه شيئا إلا صاحب الخمر فإنه لو مات وديته وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يسنه ( ).
الإجابة على الحديث : يجيب ابن القيم على حديث سيدنا علي بأن النبي "لم يسنه " قال المراد لم يقدر فيه تقديرا يزيد عليه أو ينقص منه كسائر الحدود فعلي قد شهد النبي يجلد أربعين .
الإجابة على ابن القيم في هذا الإستدلال : بأن أغلب الأحاديث الراوية لأحاديث الجلد كانت تحاول تقدير العقوبة التي أوقعها بالشارب . ولم تجزم .
الإجابة على الإستدلال الثالث " لم يسنه " بأن المقصود من كلام سيدنا علي هنا إذا ما جلده فوق الأربعين وهو التعزير.
يجاب على هذا إستدلال الجمهور: بأن سيدنا علي بعد أن أشار على عمر بالثمانين جلد هو أربعين والدليل على ذلك قوله " وهذا أحب ألي " لما قال لجعفر بعد أن ضرب أربعين "قف .
4. عن عبد الرحمن بن أزهر قال رأيت رسول الله يوم فتح مكة , و أنا غلام شاب يتخلل الناس يسأل عن بيت خالد بن الوليد , فآتي بشارب فأمرهم الرسول فضربوه ,فمنهم الضارب بيده , ومنهم الضارب بالسوط, ومنهم الضارب بالعصا , ومنهم بنعله, وحثا رسول الله في وجهه التراب فلما كان عهد أبو بكر أتي بشارب فسألهم عن ضرب النبي فحرزوه أربعين ( ).
الإجابة عل الدليل : يجاب على حديث عبد الرحمن بن أزهر بأن الحديث حجة عليكم لا لكم لقوله "فحرزوه "أي حفظوه ووعوه ( ).
الإجابة على الاعتراض : يجاب على استدلالهم بأن رواية " حرزوه " معارضة برواية فقدروه أربعين " "
لذا يقول الإما م النووي " وفعل النبي لم يكن للتحديد " لذا قال أنس نحو أربعين .
5. قول ابن عباس " إن رسول الله لم يقت في الخمر حدا "( ) ( ).
وجه الدلالة : معنى يقت : أي لم يوقت ويقال أي لم يقدر رسول الله له مقدارا ولم يحدده ( ).
الإجابة على الدليل : أجيب عن هذا الدليل بأن ابن عباس لم يبلغه الحد ولم يعلم بوجوده أو أن كلامه كان قبل أن يشرع الحد ( ).
كما يرد على ذلك بوجود أحاديث تدلل عل تعيين عقوبة شارب الخمر , ومنها " ضرب النبي بالجريد والنعال أربعين "( ), كما أنه يمكن أن يعترض عليه : لم يقت فى الخمر حدا يعنى لم يوقته لفظا وقد وقته فعلا( ).
الإجابة على الاعتراض : يعترض عليهم بحديث أنس جَلَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فِي الْخَمْرِ، بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ؛ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ( ).
كما يمكن أن يرد عليهم بقول ابن عباس أيضا : أن الشّراب كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأيدي ,والنعال , والعصي حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم , فقال أبو بكر لو فرضنا لهم حدا فنتوخى نحو ما كانوا يضربون في عهد رسول الله , فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي , ثم كان عمر بعد فجلدهم كذلك أربعين ( ).
فهو يصرح هنا بالعقوبات التي كانت تقع على من يشرب الخمر في عهد النبي و أبي بكر أيضا مما يدلل على نقيض كلامهم . والله أعلم
o ما يميل إليه الباحث :
مما لاشك فيه إن شرب الخمر فعل جرمه الشارع ,وينبغي أن يكون دائما مجرما ,و لشارب الخمر عقوبة قطعا , والذي يميل الباحث إليه أن عقوبة شارب الخمر هي عقوبة تعزيرية قام بها النبي صلى الله عليه وسلم بصفته رئيسا للدولة الإسلامية , وليس بصفته مبلغا عن رب العزة فلو كان بذلك مبلغا عن رب العزة لحدد العقوبة وبيّنها .
فلو قالوا لنا أن النبي بيّنها لقلنا لهم لقد وردت أحاديث صحيحة أيضا تنفي تماما أن يكون النبي قد بينها وإن أول من قال بالجلد أربعين هو أبو بكر وقيل عمر .
فكيف نسلم بأن العقوبة حد من الحدود مع وجود هذا التعارض الذي ينبغي أن لا يكون موجودا هنا .
فكأن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا أن المراد من فعل النبي هو الردع لهؤلاء الشاربين فلما استحقر الناس العقوبة أجاز الصحابة لأنفسهم الزيادة في العقوبة ردعا للناس .
ولو قلنا بغير هذا فكيف يصح إذا لسيدنا أبي بكر أن يسأل عن نحو ما كانوا يضربون على عهد رسول الله , وكيف يستشير سيدنا عمر الصحابة ويأمر ولاته بعد ذلك فيما ثبت في بعض الروايات أن يجلدوا أربعين ثم يزيد بمقدار العقوبة إلى الثمانين , وكيف يصح كلام سيدنا علي " وكل سنة "
لو اعتبرنا هذه العقوبة حدا من الحدود فلو فهم سيدنا علي أن لشرب الخمر حد لكان مساويا بين العقوبة التي قدرها الشارع والعقوبة التي قررها سيدنا عمر .
كما أن روايات التي تنقل أن الحد أربعين كلها بطريق التخمين .