الأندلس من الفتح إلي السقوط 1 - الفاتحين
لنبدأ الحديث عن فتح الأندلس سنة 92 هـ لنأخذ فكره عن الوضع في الشمال الأفريقي لنعرف الوضع في البلاد الملاحقة للأندلس في ذلك الزمن .
دخل الإسلام إلى الشمال الإفريقي من سنة 23 هـ لكن كانت دائمة الإرتداد عن دين الله سبحانه و تعالى. يسكن هذه المناطق قبائل ضخمة جداً هي قبائل البربر. و قبائل البربر كلما أسلمت ارتدت، حتى استقر الإسلام في النهاية في أواخر 85 أو 86 هـ على يد موسى بن نصير رحمه الله.
من هو موسى بن نصير :
· هو ذلك القائد المسلم البارع التقي الورع الذي ثبّت أقدام الإسلام في هذه البلاد المترامية الأطراف في الشمال الأفريقي. و هو من التابعين و قد روى عن بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أبوه هو نصير و قد كان نصير غلاماً نصرانياً و قد أسر في موقعة عين التمر لخالد بن الوليد رضي الله عنه و كان يتعلم الإنجيل و الدراسات النصرانية في كنيسة من الكنائس. أخذ خالد بن الوليد و من معه يعلمونه الإسلام و قبل أن يدخل في دين الإسلام و كان عمره 13 أو 14 سنة و كان معه في نفس الفترة و نفس المكان سيرين الذي أصبح بعد ذلك أبو محمد بن سيرين التابعي المشهور. و بذلك أصبح فتح بلاد الأندلس في حسنات خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد وفاته، و أيضاً فتح الشمال الأفريقي. " و من أحسن قولاً ممن دعا إلى الله و عمل صالحاً و قال إنني من المسلمين".
· هذه ثمرة من ثمرات الجهاد الإسلامي. ففتح الأندلس هي ثمرة من ثمرات فتح فارس و خالد بن الوليد إن شاء الله مشارك في الأجر لمن فتح بلاد الأندلس.
· تدرج نصير في الإسلام حتى أصبح عالماً في الإسلام و أصبح مجاهداً من المجاهدين و كان فارساً مغواراً و ترقى في المناصب حتى أصبح في زمن الدولة الأموية هو قائد جيوش معاوية بن أبي سفيان رحمه الله.
· تربى موسى بن نصير في بيت الخلافة مع أولاد معاوية بن أبي سفيان و أولاد الأمراء و الخلفاء و تربى على حياة الجهاد و الدين و نشر الإسلام ثم أصبح شاباً و كبر حتى أصبح قائد جيوش الأمويين في منطقة مصر. و كان والي مصر حينئذ هو عبد العزيز بن مروان أخو عبد الملك بن مروان، ثم أصبح بعد ذلك والي أفريقيا سنة 85 هـ.
· منذ أن أصبح والياً على أفريقيا ثبت أقدام الإسلام هناك بعد أن إرتدّ الناس عن الإسلام في شمال أفرقيا و قد كانوا قد دخلوا في الإسلام من قبل على يد عقبة بن نافع رحمه الله.
نظر موسى بن نصير في بلاد شمال أفريقيا و اكتشف سبب ارتداد الناس عن الإسلام مراراً فقد كانوا يدخلون الإسلام ثم يرتدّوا عنه و يحاربوا المسلمين لدرجة أنّ عقبة بن نافع قد قتله البربر في القيراون عند عودته من المغرب الأقصى. فقد وجد أنّ للسابقين خطأين و تجنبهما:
الأمر الأول : أنّ عقبة بن نافع و من معه و من تبعهم كانوا يفتحون البلاد فتحاً سريعاً جداً لا يستطيعوا فيه أن يحموا ظهورهم . فبدأ موسى بن نصير يفتح البلاد في أناة شديدة و في هدوء و حذر كحذر خالد بن الوليد. و بدأ يتقدم خطوةً خطوة و يؤمّن ظهره و هكذا حتى أتّم فتح البلاد في 7 سنوات أو 6 سنوات بينما أخذ عقبة بن نافع الأمر في شهور معدودة.
الأمر الثاني : أنه وجدتعليم ضعيف لهؤلاء القوم المسلمين، فبدأ يعلمهم الإسلام و يأتي بالتابعين في منطقة الشام و الحجاز ليعلموا الناس الإسلام. فأحبّ الناس الإسلام و دخلوا فيه أفواجا، دخل البربر في دين الله سبحانه و تعالى. أخذ في صبر شديد يعلم الناس هذا الدين حتى أصبح البربر من المنطقة هم جند الإسلام و أهله.
بعد أن ثبّت موسى بن نصير أقدامه في شمال أفريقيا فكّر في قول الله سبحانه و تعالى "قاتلوا الذين يلونكم من الكفّار و ليجدوا فيكم غلظة". فقال: لا بد أن أذهب و أفتح بلاد الأندلس. أتمّ موسى بن نصير فتح الشمال الأفرقي كله إلاّ مدينة سبته. و مدينة سبته الآن هي مدينة مغربية تقع على مضيق جبل طارق مباشرة، فمضيق جبل طارق يقصل بين المغرب و الأندلس ليس مضيقاً هيناً فعرضه في بعض المناطق من 13 إلى 37 كيلومتر فهي منطقة واسعة و على حدودها ميناءين شهيرين كبيرين ميناء طنجة و ميناء سبتة. فولىّ موسى بن نصير على ميناء طنجة رجلاً من القوّاد المهرة و هو طارق بن زياد رحمه الله و هو من قبائل البربر الأصلية التي تعيش في الشمال الأفريقي يعني أنه ليس عربياً.
قد يظن البعض أن البربر وجوههم سوداء أو زنوج و لكنهم كانوا شعوباً شعورها شقراء و عيونها زرقاء و لون بشرتهم أبيض حتى أن بعض المحللين يقولون أنهم من أصول أوروبية.
كان طارق بن زياد رحمه الله ضخم الجثة أشقر الشعر زرقاء العينين و كان رجلاً وسيماً لكن لم يقف ذلك في طريق جهاده إلى الله سبحانه و تعالى. أصبح طارق بن زياد والياً على مدينة طنجة القريبة جداً من سبتة التي لم تفتح حتى هذه اللحظة و هي قريبة جداً من بلاد الأندلس.
لم تكن فكرة فتح الأندلس -عندما فكّر فيها موسى بن نصير- لم تكن فكرة جديدة، و لكنها من أيام خلافة عثمان بن عفّان رضي الله عنه و قد كانت القسطنطينية قد استعصت على الحملات الإسلامية. ففي أيّام عثمان بن عفّان رضي الله عنه، فتحت كل بلاد آسيا الصغرى ما عدا القسطنطينية فقال عثمان بن عفّان رضي الله عنه ) تفتح القسطنطينية من قبل البحر و أنتم إذا فتحتم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر). أي أنه يريد أن تفتح الأندلس و يتوغلوا خلال أوروبا حتى تفتح القسطنطينية من الغرب من قبل البحر و هو البحر الأسود في ذلك الوقت.
ما هي المشاكل التي واجهت موسى بن نصير لفتح بلاد الأندلس؟
· المسافة بين المغرب و الأندلس 13 كيلومتر على الأقل و ليس عند المسلمين سفناً كافية لتخطي هذه العقبة المائية الكبيرة. فمعظم فتوحات المسلمين كانت برية. لهم بعض المواقع البحريّة مثل موقعة ذات الصواري أو فتح قبرص لكن ليست لهم سفناً ضخمة تحمل جيوشاً تعبر بها مضيق جبل طارق في هذا الوقت.
· أن جزر البليار و هي تقع شرق الأندلس هي من قبل الروم النصارى، و لو دخل موسى بن نصير إلى الأندلس ستكون هذه الجزر في ظهره. و قد تعلم أن يحمي ظهره حتى لا يقع في أخطاء السابقين.
· ميناء سبتة لم يفتح حتى الآن و يحكمه رجل يدعى يوليان أو جوليان و هو رجل نصراني له علاقات طيبة بملك الأندلس الأسبق الذي يدعى غيطشة. ........... و قد حدث إنقلاب على غيطشة و تولى الحكم رجل اسمه رودريك التي أصبحت في العربية لوذريق. .... لم يطمئن موسى بن نصير إلى التحالف مع يوليان رغم أن يوليان كان على خلاف مع لوذريق لأنه لا يضمن أن يتحالف يوليان مع لوذريق في مقابل مادي و ما إلى ذلك.
· قوات المسلمين الفاتحين التي جاءت من الشام و من الحجاز و اليمن و العراق و مصر كانت قوات محدودة قليلة و هي منتشرة في كل الشمال الأفريقي فكيف يأخذ كل هذه القوات و ينتقل إلى منطقة الأندلس.......... لو حدث هذا يمكن أن تنقض عليه بلاد الشمال الأفريقي و قد لا يستطيع فتح بلاد الأندلس.
· أن قوات النصارى في الأندلس كان عددها ضخماً جداً و عدة كبيرة و قلاع و حصون.
· أن أرض الأندلس بالنسبة لموسى بن نصير و من معه كانت مجهولة تماماً. و إن كانت الأنباء تترامى أن هذه البلاد صعبة جداً جداً في الفتح لطبيعتها الجبلية مع حركة الجيوش في هذه الآونه بالخيول و البغال و أيضاً بها أنهاراً كثيرة و بحيرات كثيرة. ..... و قد تكون لديه مشاكل أخرى لفتح الأندلس و لكننا لا نعلمها، و مع ذلك فهو يصر على فتح بلاد الأندلس.
بدأ موسى بن نصير رحمه الله في أناة شديدة يرتب هذه الأمور:
أولا:
بدأ في إنشاء السفن و الموانيء. بنى أكثر من ميناء في منطقة الشمال الأفريقي و أشهرها ميناء القيروان. كان العمل يحتاج إلى وقت طويل جداً و لكن موسى بن نصير كانت لديه همه عاليه.
ثانياً:
بدأ يعلم البربر الإسلام في مجالس خاصة و بدأ يكون فرقاً من البربر لتكون هي جيش الإسلام (أنت لم تجد أي دولة من التي تحارب قد استمالت أهل الدولة المحتلة كي يقاتلوا معها بعد سنتين أو ثلاثة من الإحتلال. ففرنسا مثلاً مكثت في الجزائر 130 سنة و خرجت و أهلها مسلمون) و لكن الحال يختلف عند الفتح الإسلامي في البلاد و بعد اقتناع أهلها بالإسلام يصبح همهم الأول هو الدفاع عن الإسلام.
بدأ موسى بن نصير يعلم الناس الجهاد و بذل النفس في سبيل اللته تعالى.... و بدأ الجيش الإسلامي في الشمال الأفريقي يكون جلة من البربر بعد أن كانوا منذ 5 أو 6 سنوات محاربين لهذا الدين.
ثالثاً:
ولى طارق بن زياد قيادة الجيش الإسلامي المتجه إلى فتح بلاد الأندلس... و قد جمع طارق بن زياد بين التقوى و الورع و الكفاءة الحربية و الجهاد في سبيل الله و الرغبة في أن يموت في سبيل الله و هو بربري ليس بعربي.
قدم موسى بن نصير طارق بن زياد على العرب لكفاءته و لكونه من البربر يستطيع أن يقود البربر فلن تكون هناك أي عوامل نفسية داخل هذا البربري الذي دخل الإسلام حديثاً ثم إنه يفهم لغتهم. فكان طارق بن زياد رحمه الله يتحدث باللغتين العربيه و البربرية.
رابعاً:
فتح طارق بن زياد جزر البليار لحماية ظهره من ناحية الشرق. حيث أن جزر البليار تقع شرق بلاد الأندلس في البحر المتوسط. .... بقيت عنده عدة مشاكل : منها مشكلة سبتة و واليها يوليان . و سبته هذه : ميناء حصين جداً. و قد حل مشكلة الجيش من البربر و حل مشكلة السفن نسبياً في وقت قليل. و لا يزال يجهل طبيعة أرض الأندلس.
انظر إلى تدبير الله سبحانه و تعالى : فقد استنفذ موسى بن نصير الوسع و الطاقة. فعل ما عليه. انظر كيف يدبر له رب العالمين سبحانه و تعالى.
" و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى"