لقد حرم الله تعالى العقوق، وحذر منه النبي (صلى الله عليه وسلم) ، قال تعالى : { ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً }[ الإسراء23 ] ، وقال(صلى الله عليه وسلم)(( الكبائر، الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس)) [ البخاري ] ، وعن أنس(صلى الله عليه وسلم) قال : ذكر رسول الله(صلى الله عليه وسلم)الكبائر، فقال : (( الشرك بالله ، وعقوق الوالدين )) [ متفق عليه ] .
وقال القائل في عقوق الوالدين :
فلا تطع زوجة في قطع والدة.... عليك يابن أخي قد أفنت العمـرا
فكيف تنكر أماً ثُقلُك احتمـلت... وقد تمرغت في أحشائها شُهـُراً
إلى أن قال :
فلا تفضل عليها زوجة أبداً.... ولا تدع قلبها بالقـهر منـكسرا
والوالد الأصل لاتنكر لتربية ....ً وأحفظ لا سيمـا إن أدرك الكبرا
فما تؤدي له حقاً عليك ولو.... على عيونك حـج الـبيت واعتـمرا
وإليك أخي القارئ وأختي القارئة هذه القصص والوقائع التي يندى لها الجبين وتدمع لها العيون وتنهمر منها الدموع ، وتتفطر منها القلوب، في عقوق الوالدين :
1.ذكر أن شاباً كان مكباً على اللهو واللعب ، لا يفيق عنه وكان له والد صاحب دين ، كثيراً ما يعض هذا الابن ويقول له : يا بني احذر هفوات الشباب وعثراته ، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد ، وكان إذا ألح عليه زاد في العقوق ، وجار على أبيه ، ولما كان يوم من الأيام ألح على أبنه بالنصح على عادته فمد الولد يده على أبيه ، فحلف الأب مجتهداً ليأتين بيت الله الحرام ، فيتعلق بأستار الكعبة ويدعوا على ولده ، فخرج حتى انتهى إلى البيت الحرام فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول :
يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا.... عرض المهامه من قرب ومن بعد
إني أتـيـتك يا من لا يخيب من.... يدعـوه مبتـهلاً بالواحـد الصمد
هذا منازل لا يرتـد من عقـقي.... فخذ بحـقي يا رحمن من ولـدي
وشـل منه بحـول منك جـانبه.... يا من تقدس لم يولـد ولـم يـلد
فقيل أنه ما استتم كلامه حتى يبس شق ولده الأيمن ، نعوذ بالله من العقوق ، ومن فساد القلوب ، ومن جميع المعاصي والذنوب.
2.وذكر أحدهم فقال : ذهبت أنا وأسرتي في نزهة بحرية ، وإذا نحن بعجوز على بساط جالسة على الشاطئ ، يقول : فجلسنا وتعشينا وتسامرنا حتى انتصف الليل ، وعندما أردنا العودة إلى المنزل وإذا بتلك العجوز على حالتها ، فذهبت إليها ، وقلت يا أمي الوقت قد تأخر ، فهل تذهبين معنا قالت : لا ، ابني وضعني هناك وقال أن عنده شغل وسيعود ، قال : يا أمي ولكن الوقت قد تأخر ، فقالت : لن أذهب حتى يعود ولدي وأذهب معه ، وأعطاني هذه الورقة ، فأخذ ذلك الرجل الورقة وإذا مكتوب فيها : يرجى ممن عثر على هذه العجوز أن يأخذها إلى دار الرعاية .
رعاية المسنين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فوالله إنه لأشد وأعظم وأشنع أنواع العقوق ، أهذا هو حق الأم المسكينة التي كبرت وكسر جناحها ، أهذا هو حق الأم التي أوصى لها النبي(صلى الله عليه وسلم) بثلاثة أضعاف حق الأب ، أهكذا يكون البر بالأم التي حملتك في بطنها شهوراً ؟ وقاست خلال ذلك الآلام والمتاعب دهوراً ، أهكذا يقابل الإحسان بالإساءة ؟ ويقابل عطفها وحنانها وحبها بالعقوق والجفاء والغلظة ، قال(صلى الله عليه وسلم) : (( إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات …..))[ متفق عليه ] .
وقال(صلى الله عليه وسلم)( لعن الله من لعن والديه )) [ صحيح الأدب المفرد ] ، هذا إذا كان العقوق لهما بالكلام ، فما بالك بمن يرمي أمه أو أباه أو كليهما في دور رعاية العجزة والمسنين أو يودعهما المصحات والمستشفيات من غير سؤال ولا اطمئنان ، ومن يهجر أمه ويتركها فريسة يتلقفها الأشرار من الناس أو يودعها دور الرعاية ،إنا لله وإنا إليه راجعون . عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ] ( حديث حسن انظر شرح السنة 13/6 ) فهل هناك أقبح أو أفظع من عقوق الوالدين ، والله إن العقوق لذنب يحرم معه المرء بركة الرزق ورغد العيش ، ويحصل له الحرمان وقصر العمر والأجل ، ويحرم صاحبه دعاء الوالدين .
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم ارحم والدينا كما ربيانا صغاراً، اللهم تجاوز عن سيئاتهما، وثقل موازينهما بالحسنات،اللهم أعنا على البر بوالدينا حتى يبرنا أبناءنا إنك سميع مجيب الدعوات .
3.وهذه قصة أخرى لعاق رمى أمه في دار العجزة ولم يزرها لعدة سنوات، وزمن طويل لم يعرفها، حتى الاتصال لم يتصل عليها، حرم نفسه برها، وأكتسب الإثم بعقوقها، وعندما حانت ساعة وفاتها وأخذت في الاحتظار بكت، ونادت المسؤولين وقالت لهم اتصلوا على ولدي، أريد أن أضمه قبل أن أموت، أريد أن أقبله، أريد أن أعانقه، مع كل ذلك العقوق إلا أن حنانها وعطفها وحبها لوليدها أبى عليها إلا أن تضمه وتقبله وتعانقه ! فما ذا عساه يفعل ذلك العاق المجرم ؟ أيهرع لزيارتها ؟ أينكب عليها مقبلاً ومتسامحاً ؟ أيذرف دموع الحزن والأسى على ما فرط في جنب أمه ؟ لا هذا ولا ذاك ، ولكن كانت المفاجأة المتوقعة منه ومن أمثاله أهل العقوق والإجرام أن اتصلوا على ولدها، وقالوا له: إن أمك تحتضر وتريد أن تراك، وتقبلك وتملأ عينيها برؤيتك قبل أن تموت، فقال هذا المجرم العاق: ما عندي وقت، وقتي ضيق، عندي أعمال، عندي تجارات ثم أغلق الهاتف، ثم ماتت هذه الأم، ولم تر ولدها ماتت ساخطة عليه، فاتصل المسؤولون على الولد فقالوا: لقد ماتت أمك العجوز، فرد قائلاً: أكملوا الإجراءات وادفنوها.
ياله من عقوق وأي عقوق، أترمي الأم في دار المسنين، أترمي قرة العين، ومهجة الفؤاد دور الرعاية ، أترمي من جعلت بطنها لك وعاءً، وصدرها لك طعاماً، وحجرها لك مجلساً، أتترك تلك الحبيبة التي سهرت الليالي والأيام حبيسة الجدران ، أتعق من قاست المتاعب والآلام، وتركت الشراب والطعام من أجل راحتك و خدمتك،{ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان }[ الرحمن60 ] .
وقال تعالى :{ ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهراً }[ الأحقاف15 ] .
وأخرج النسائي والبزار واللفظ له بإسنادين جيدين والحاكم وقال صحيح الإسناد، عن بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قال ( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنة، العاق لوالديه، والديوث، والرجلة من النساء )) .
4.وكان هناك رجلاً يحث ابنه على طريق الهداية والاستقامة ولبث على هذه الحال سنين، ولما كبر الأب، تأفف منه الابن ولم يحسن إليه في كبره، بل حمله على جمله وذهب به إلى الصحراء ولما توسط الصحراء، سأله الوالد فقال : يابني أين تريد الذهاب بي، قال : يا أبي لقد مللتك ولقد سأمتك، قال : وماذا تريد ؟ قال : أريد أن أذبحك، قال يابني ماذا تقول ؟ قال أريد أن أذبحك لقد مللتك ياأبي، فقال الأب : إن كنت ولابد فاعلاً ، فاذبحني عند تلك الصخرة ، قال : ولم ياأبي ، قال : فإني قد قتلت أبي عند تلك الصخرة فاقتلني عندها وسوف ترى من يقتلك من أبنائك عند تلك الصخرة . لأن الجزاء من جنس العمل .
وقال تعالى : { من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً } [ النساء123 ] وقال(صلى الله عليه وسلم): (( بروا أباءكم تبركم أبناءكم )) فالبر والعقوق دين ، ولا بد من الوفاء بالدين ، وكما تدين تدان ، (( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ))[ الزلزلة7/8 ] .
5.وهذه أم تقول لولدها يابني أريد أن أزور فلانة أذهب بي إليها، فيقول : لا أستطيع فترجته أمه قالت: يابني أريد أن أزورها دقائق معدودة، قال : نعم أذن، ولكن سوف أتيك بعد ثلاثين دقيقة بالضبط، فإذا جئت فسأضرب البوري فإذا ما خرجت فسأذهب، فعندما أوصلها عاد بعد ثلاثين دقيقة عاد وضرب البوري مرة ومرتين فما خرجت فذهب وولى وتركها لوحدها، فإذا به وهو في أثناء الطريق يصاب بحادث، فيجلس في المستشفى ستة أشهر لايستطيع الحراك، وكل ذلك من العقوق، قال تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناَ } [ النساء36 ] وقال(صلى الله عليه وسلم) : (( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعاً وهات ووأد البنات ...)) [ متفق عليه ] .
فكم من والدة قاست متاعب الحياة ومصاعبها مع ولدها وابنتها، يعاملها الولد والزوجة كخادمة وطباخة وغسالة ومربية في المنزل، تُعامل الأم المسكينة بكل قسوة، بعد أن أحدودب ظهرها وخارت قواها، وضعفت أركانها، بعدما قضت السنين الطويلة في رعاية صغيرها وفلذة كبدها ووليدها بعد ذلك كله، وبعد أن شب وبلغ سن الرجولة أصبح فكاً مفترساً، وحيواناً شهوانياً، وإنساناً عاقاً، قابل الإحسان بالجحود، وقابل العطف بالعقوق، فالأم مسكينة لا حول لها ولا قوة فبعد أن ربت وتعبت وأرادت الراحة على أخر عمرها، قابلها أبنها بالأعمال الشاقة، والأشغال المتعبة التي لا يقواها الرجال الأقوياء ، نكراناً وكفراً لنعمة الله عليه بأن منّ عليه بأم يعيش في كنفها ويبرها حتى يجد مرضاة ربه سبحانه ، ولكن انقلب الأمر رأساً على عقب ، فقابل النعمة بالكفران وكل ذلك بدافع من تلك الزوجة المجرمة القاسية العاقة - فلا حول ولا قوة إلا بالله- لم تعرف الأم المسكينة طعم الراحة عندما كان صغيراًً، وأذاقها ألم ذلك كبيراً .
فاصبري أيتها الأم والوالدة الحنون ، فإن فرج الله قريب ، وانتظر أنت أيها العاق السافل فوالله لتذوقن ألم ذلك العقوق ومره عاجلاً أم آجلاً ، قال(صلى الله عليه وسلم) : (( كل الذنوب يؤخر الله منها ما يشاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات ))[ الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك والبخاري في الأدب المفرد ] ، وكم من أم عانت مرارة العقوق وألم التعب والنصب من ابنتها التي تتأفف من الوقوف مع أمها، وتخجل من وجود أمها ، وإذا سئلت من هذه ؟ قالت : هذه الخادمة أو الطباخة أو الفراشة – نعوذ بالله من العقوق - ونعوذ بالله من الخذلان.
وتلك الأم المسكينة لا حول لها ولا قوة ، التزمت الصمت حباً لابنتها وعطفاً عليها ، ترضى الأم بما يقال عنها حتى لا تغضب ابنتها العاقة ، فوالله كما تدينين سوف تدانين ، وهذا دين لابد من أن تستوفينه قريباً أم بعيداً .
سئل الحسن : ما بر الوالدين ؟ قال : أن تبذل لهما ما ملكت ، وتطيعهما فيما أمراك ما لم يكن معصية ، قيل : فما العقوق ؟ قال : أن تهجرهما وتحرمهما ، ثم قال : أما علمت أن نظرك في وجوه والديك عبادة ، فكيف بالبر بهما ؟
وقال عروة بن الزبير :ما بر والده من سد الطرق إليه .
وقال أبو هريرة وهو يعظ رجلاً في بر أبيه : لا تمش أمام أبيك ، ولا تجلس قبله ، ولا تدعه باسمه .
وقال طاووس :من السنة أن يوقر أربعة : العالم ، وذو الشيبة ، والسلطان ، والوالد ، ومن الجفاء أن يدعوا الرجل والده باسمه .
وكم سمعنا عن والدين يعيشان عيشة تعيسة شقية مع ولدهما وزوجته، فالولد والزوجة يأكلان ويشربان ألذ وأطيب وأشهى المأكولات والمشروبات ، والوالدان يقومان وينامان على ألم الجوع والعطش ، ويذهب العاق والعاقة إلى المنتزهات ويتركان الوالدين بين أربع جدران يقاسيان ألم المرض والتعب، والحسرة والوحدة ، فإذا مرضت الزوجة مرضاً بسيطاً سهلاً يستطيع علاجه الممرض أو الصيدلاني أقام الدنيا ولم يقعدها فيذهب بها إلى أرقى المستشفيات وأكبر المستوصفات ، ويعرضها على أكابر الأطباء وجهابذتهم ، أما إذا مرض الوالدان تأفف من مرضهما، وصاح في وجههما، دائماً مرضى ، وأبداً سقماً ، ويذهب إلى الصيدلية ويجلب لهما علاجاً، وقد لا يجلب لهما شيئاً ويطلب منهما الصبر وقد يذكرهما بأهمية الصبر ومراتبه ، لا تعليماً ، ولاكن عقوقاً وجرماً ، وقد ينهرهما ويزجرهما وكل ذلك من العقوق الذي لا يُرضي الله ولا نبيه ولا يرضى عن ذلك من لديه مثقال ذرة من إيمان .
فهكذا يكون جزاء الإحسان ، هكذا يكون رد الجميل ، أيقابل الحب والحنان، بالكراهية والغلظة، أيقابل العطف والبر بالقسوة والعقوق
لقد حرم الله تعالى العقوق، وحذر منه النبي (صلى الله عليه وسلم) ، قال تعالى : { ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً }[ الإسراء23 ] ، وقال(صلى الله عليه وسلم)(( الكبائر، الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس)) [ البخاري ] ، وعن أنس(صلى الله عليه وسلم) قال : ذكر رسول الله(صلى الله عليه وسلم)الكبائر، فقال : (( الشرك بالله ، وعقوق الوالدين )) [ متفق عليه ] .
وقال القائل في عقوق الوالدين :
فلا تطع زوجة في قطع والدة.... عليك يابن أخي قد أفنت العمـرا
فكيف تنكر أماً ثُقلُك احتمـلت... وقد تمرغت في أحشائها شُهـُراً
إلى أن قال :
فلا تفضل عليها زوجة أبداً.... ولا تدع قلبها بالقـهر منـكسرا
والوالد الأصل لاتنكر لتربية ....ً وأحفظ لا سيمـا إن أدرك الكبرا
فما تؤدي له حقاً عليك ولو.... على عيونك حـج الـبيت واعتـمرا
وإليك أخي القارئ وأختي القارئة هذه القصص والوقائع التي يندى لها الجبين وتدمع لها العيون وتنهمر منها الدموع ، وتتفطر منها القلوب، في عقوق الوالدين :
1.ذكر أن شاباً كان مكباً على اللهو واللعب ، لا يفيق عنه وكان له والد صاحب دين ، كثيراً ما يعض هذا الابن ويقول له : يا بني احذر هفوات الشباب وعثراته ، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد ، وكان إذا ألح عليه زاد في العقوق ، وجار على أبيه ، ولما كان يوم من الأيام ألح على أبنه بالنصح على عادته فمد الولد يده على أبيه ، فحلف الأب مجتهداً ليأتين بيت الله الحرام ، فيتعلق بأستار الكعبة ويدعوا على ولده ، فخرج حتى انتهى إلى البيت الحرام فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول :
يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا.... عرض المهامه من قرب ومن بعد
إني أتـيـتك يا من لا يخيب من.... يدعـوه مبتـهلاً بالواحـد الصمد
هذا منازل لا يرتـد من عقـقي.... فخذ بحـقي يا رحمن من ولـدي
وشـل منه بحـول منك جـانبه.... يا من تقدس لم يولـد ولـم يـلد
فقيل أنه ما استتم كلامه حتى يبس شق ولده الأيمن ، نعوذ بالله من العقوق ، ومن فساد القلوب ، ومن جميع المعاصي والذنوب.
2.وذكر أحدهم فقال : ذهبت أنا وأسرتي في نزهة بحرية ، وإذا نحن بعجوز على بساط جالسة على الشاطئ ، يقول : فجلسنا وتعشينا وتسامرنا حتى انتصف الليل ، وعندما أردنا العودة إلى المنزل وإذا بتلك العجوز على حالتها ، فذهبت إليها ، وقلت يا أمي الوقت قد تأخر ، فهل تذهبين معنا قالت : لا ، ابني وضعني هناك وقال أن عنده شغل وسيعود ، قال : يا أمي ولكن الوقت قد تأخر ، فقالت : لن أذهب حتى يعود ولدي وأذهب معه ، وأعطاني هذه الورقة ، فأخذ ذلك الرجل الورقة وإذا مكتوب فيها : يرجى ممن عثر على هذه العجوز أن يأخذها إلى دار الرعاية .
رعاية المسنين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فوالله إنه لأشد وأعظم وأشنع أنواع العقوق ، أهذا هو حق الأم المسكينة التي كبرت وكسر جناحها ، أهذا هو حق الأم التي أوصى لها النبي(صلى الله عليه وسلم) بثلاثة أضعاف حق الأب ، أهكذا يكون البر بالأم التي حملتك في بطنها شهوراً ؟ وقاست خلال ذلك الآلام والمتاعب دهوراً ، أهكذا يقابل الإحسان بالإساءة ؟ ويقابل عطفها وحنانها وحبها بالعقوق والجفاء والغلظة ، قال(صلى الله عليه وسلم) : (( إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات …..))[ متفق عليه ] .
وقال(صلى الله عليه وسلم)( لعن الله من لعن والديه )) [ صحيح الأدب المفرد ] ، هذا إذا كان العقوق لهما بالكلام ، فما بالك بمن يرمي أمه أو أباه أو كليهما في دور رعاية العجزة والمسنين أو يودعهما المصحات والمستشفيات من غير سؤال ولا اطمئنان ، ومن يهجر أمه ويتركها فريسة يتلقفها الأشرار من الناس أو يودعها دور الرعاية ،إنا لله وإنا إليه راجعون . عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ] ( حديث حسن انظر شرح السنة 13/6 ) فهل هناك أقبح أو أفظع من عقوق الوالدين ، والله إن العقوق لذنب يحرم معه المرء بركة الرزق ورغد العيش ، ويحصل له الحرمان وقصر العمر والأجل ، ويحرم صاحبه دعاء الوالدين .
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم ارحم والدينا كما ربيانا صغاراً، اللهم تجاوز عن سيئاتهما، وثقل موازينهما بالحسنات،اللهم أعنا على البر بوالدينا حتى يبرنا أبناءنا إنك سميع مجيب الدعوات .
3.وهذه قصة أخرى لعاق رمى أمه في دار العجزة ولم يزرها لعدة سنوات، وزمن طويل لم يعرفها، حتى الاتصال لم يتصل عليها، حرم نفسه برها، وأكتسب الإثم بعقوقها، وعندما حانت ساعة وفاتها وأخذت في الاحتظار بكت، ونادت المسؤولين وقالت لهم اتصلوا على ولدي، أريد أن أضمه قبل أن أموت، أريد أن أقبله، أريد أن أعانقه، مع كل ذلك العقوق إلا أن حنانها وعطفها وحبها لوليدها أبى عليها إلا أن تضمه وتقبله وتعانقه ! فما ذا عساه يفعل ذلك العاق المجرم ؟ أيهرع لزيارتها ؟ أينكب عليها مقبلاً ومتسامحاً ؟ أيذرف دموع الحزن والأسى على ما فرط في جنب أمه ؟ لا هذا ولا ذاك ، ولكن كانت المفاجأة المتوقعة منه ومن أمثاله أهل العقوق والإجرام أن اتصلوا على ولدها، وقالوا له: إن أمك تحتضر وتريد أن تراك، وتقبلك وتملأ عينيها برؤيتك قبل أن تموت، فقال هذا المجرم العاق: ما عندي وقت، وقتي ضيق، عندي أعمال، عندي تجارات ثم أغلق الهاتف، ثم ماتت هذه الأم، ولم تر ولدها ماتت ساخطة عليه، فاتصل المسؤولون على الولد فقالوا: لقد ماتت أمك العجوز، فرد قائلاً: أكملوا الإجراءات وادفنوها.
ياله من عقوق وأي عقوق، أترمي الأم في دار المسنين، أترمي قرة العين، ومهجة الفؤاد دور الرعاية ، أترمي من جعلت بطنها لك وعاءً، وصدرها لك طعاماً، وحجرها لك مجلساً، أتترك تلك الحبيبة التي سهرت الليالي والأيام حبيسة الجدران ، أتعق من قاست المتاعب والآلام، وتركت الشراب والطعام من أجل راحتك و خدمتك،{ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان }[ الرحمن60 ] .
وقال تعالى :{ ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهراً }[ الأحقاف15 ] .
وأخرج النسائي والبزار واللفظ له بإسنادين جيدين والحاكم وقال صحيح الإسناد، عن بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قال ( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنة، العاق لوالديه، والديوث، والرجلة من النساء )) .
4.وكان هناك رجلاً يحث ابنه على طريق الهداية والاستقامة ولبث على هذه الحال سنين، ولما كبر الأب، تأفف منه الابن ولم يحسن إليه في كبره، بل حمله على جمله وذهب به إلى الصحراء ولما توسط الصحراء، سأله الوالد فقال : يابني أين تريد الذهاب بي، قال : يا أبي لقد مللتك ولقد سأمتك، قال : وماذا تريد ؟ قال : أريد أن أذبحك، قال يابني ماذا تقول ؟ قال أريد أن أذبحك لقد مللتك ياأبي، فقال الأب : إن كنت ولابد فاعلاً ، فاذبحني عند تلك الصخرة ، قال : ولم ياأبي ، قال : فإني قد قتلت أبي عند تلك الصخرة فاقتلني عندها وسوف ترى من يقتلك من أبنائك عند تلك الصخرة . لأن الجزاء من جنس العمل .
وقال تعالى : { من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً } [ النساء123 ] وقال(صلى الله عليه وسلم): (( بروا أباءكم تبركم أبناءكم )) فالبر والعقوق دين ، ولا بد من الوفاء بالدين ، وكما تدين تدان ، (( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ))[ الزلزلة7/8 ] .
5.وهذه أم تقول لولدها يابني أريد أن أزور فلانة أذهب بي إليها، فيقول : لا أستطيع فترجته أمه قالت: يابني أريد أن أزورها دقائق معدودة، قال : نعم أذن، ولكن سوف أتيك بعد ثلاثين دقيقة بالضبط، فإذا جئت فسأضرب البوري فإذا ما خرجت فسأذهب، فعندما أوصلها عاد بعد ثلاثين دقيقة عاد وضرب البوري مرة ومرتين فما خرجت فذهب وولى وتركها لوحدها، فإذا به وهو في أثناء الطريق يصاب بحادث، فيجلس في المستشفى ستة أشهر لايستطيع الحراك، وكل ذلك من العقوق، قال تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناَ } [ النساء36 ] وقال(صلى الله عليه وسلم) : (( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعاً وهات ووأد البنات ...)) [ متفق عليه ] .
فكم من والدة قاست متاعب الحياة ومصاعبها مع ولدها وابنتها، يعاملها الولد والزوجة كخادمة وطباخة وغسالة ومربية في المنزل، تُعامل الأم المسكينة بكل قسوة، بعد أن أحدودب ظهرها وخارت قواها، وضعفت أركانها، بعدما قضت السنين الطويلة في رعاية صغيرها وفلذة كبدها ووليدها بعد ذلك كله، وبعد أن شب وبلغ سن الرجولة أصبح فكاً مفترساً، وحيواناً شهوانياً، وإنساناً عاقاً، قابل الإحسان بالجحود، وقابل العطف بالعقوق، فالأم مسكينة لا حول لها ولا قوة فبعد أن ربت وتعبت وأرادت الراحة على أخر عمرها، قابلها أبنها بالأعمال الشاقة، والأشغال المتعبة التي لا يقواها الرجال الأقوياء ، نكراناً وكفراً لنعمة الله عليه بأن منّ عليه بأم يعيش في كنفها ويبرها حتى يجد مرضاة ربه سبحانه ، ولكن انقلب الأمر رأساً على عقب ، فقابل النعمة بالكفران وكل ذلك بدافع من تلك الزوجة المجرمة القاسية العاقة - فلا حول ولا قوة إلا بالله- لم تعرف الأم المسكينة طعم الراحة عندما كان صغيراًً، وأذاقها ألم ذلك كبيراً .
فاصبري أيتها الأم والوالدة الحنون ، فإن فرج الله قريب ، وانتظر أنت أيها العاق السافل فوالله لتذوقن ألم ذلك العقوق ومره عاجلاً أم آجلاً ، قال(صلى الله عليه وسلم) : (( كل الذنوب يؤخر الله منها ما يشاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات ))[ الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك والبخاري في الأدب المفرد ] ، وكم من أم عانت مرارة العقوق وألم التعب والنصب من ابنتها التي تتأفف من الوقوف مع أمها، وتخجل من وجود أمها ، وإذا سئلت من هذه ؟ قالت : هذه الخادمة أو الطباخة أو الفراشة – نعوذ بالله من العقوق - ونعوذ بالله من الخذلان.
وتلك الأم المسكينة لا حول لها ولا قوة ، التزمت الصمت حباً لابنتها وعطفاً عليها ، ترضى الأم بما يقال عنها حتى لا تغضب ابنتها العاقة ، فوالله كما تدينين سوف تدانين ، وهذا دين لابد من أن تستوفينه قريباً أم بعيداً .
سئل الحسن : ما بر الوالدين ؟ قال : أن تبذل لهما ما ملكت ، وتطيعهما فيما أمراك ما لم يكن معصية ، قيل : فما العقوق ؟ قال : أن تهجرهما وتحرمهما ، ثم قال : أما علمت أن نظرك في وجوه والديك عبادة ، فكيف بالبر بهما ؟
وقال عروة بن الزبير :ما بر والده من سد الطرق إليه .
وقال أبو هريرة وهو يعظ رجلاً في بر أبيه : لا تمش أمام أبيك ، ولا تجلس قبله ، ولا تدعه باسمه .
وقال طاووس :من السنة أن يوقر أربعة : العالم ، وذو الشيبة ، والسلطان ، والوالد ، ومن الجفاء أن يدعوا الرجل والده باسمه .
وكم سمعنا عن والدين يعيشان عيشة تعيسة شقية مع ولدهما وزوجته، فالولد والزوجة يأكلان ويشربان ألذ وأطيب وأشهى المأكولات والمشروبات ، والوالدان يقومان وينامان على ألم الجوع والعطش ، ويذهب العاق والعاقة إلى المنتزهات ويتركان الوالدين بين أربع جدران يقاسيان ألم المرض والتعب، والحسرة والوحدة ، فإذا مرضت الزوجة مرضاً بسيطاً سهلاً يستطيع علاجه الممرض أو الصيدلاني أقام الدنيا ولم يقعدها فيذهب بها إلى أرقى المستشفيات وأكبر المستوصفات ، ويعرضها على أكابر الأطباء وجهابذتهم ، أما إذا مرض الوالدان تأفف من مرضهما، وصاح في وجههما، دائماً مرضى ، وأبداً سقماً ، ويذهب إلى الصيدلية ويجلب لهما علاجاً، وقد لا يجلب لهما شيئاً ويطلب منهما الصبر وقد يذكرهما بأهمية الصبر ومراتبه ، لا تعليماً ، ولاكن عقوقاً وجرماً ، وقد ينهرهما ويزجرهما وكل ذلك من العقوق الذي لا يُرضي الله ولا نبيه ولا يرضى عن ذلك من لديه مثقال ذرة من إيمان .
فهكذا يكون جزاء الإحسان ، هكذا يكون رد الجميل ، أيقابل الحب والحنان، بالكراهية والغلظة، أيقابل العطف والبر بالقسوة والعقوق