اعتقاد أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله تعالى المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإعجاز والتحدي المتعبد بتلاوته.
فالقرآن معجزة الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم، وهو منهج سعادة للناس في الدنيا والآخرة، وفيه التحدي للكفار المعاندين من جميع الجهات.
أقوال العلماء:
قال المناوي: قالوا: هذا الحديث كلام قدسي والفرق بينه وبين القرآن أن القرآن هو اللفظ المنزل به جبريل للإعجاز عن الإتيان بسورة من مثله(1)
قال الطيبي: وفضل القرآن على الحديث القدسي أن القدسي نص إلهي في الدرجة الثانية وإن كان من غير واسطة ملك غالبا لأن المنظور فيه المعنى دون اللفظ وفي القرآن اللفظ والمعنى منظوران(2)
قال الكرماني: القرآن لفظ معجز ومنزل بواسطة جبريل عليه السلام وهذا- أي القدسي- غير معجز وبدون الواسطة ومثله يسمى بالحديث القدسي والإلهي والرباني(3)
قال ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين النووية في شرح الحديث الرابع والعشرين المسلسل بالدمشقيين:
أعلم أن الكلام المضاف إليه تعالى أقسام ثلاثة:
أولها - وهو أشرفها القرآن لتميزه عن البقية بإعجازه من أوجه كثيرة وكونه معجزة باقية على ممر الدهر محفوظة من التغيير والتبديل، وبحرمة مسه لمحدث، وتلاوته لنحو الجنب، وروايته بالمعنى، وبتعينه في الصلاة، وبتسميته قرآنا، وبأن كل حرف منه بعشر حسنات، وبامتناع بيعه في رواية عند أحمد، وكراهته عندنا، وبتسمية الجملة منه آية وسورة، وغيره من بقية الكتب، والأحاديث القدسية لا يثبت لها شيء من ذلك فيجوز مسه، وتلاوته لمن ذكر، وروايته بالمعني، ولا يجزئ في الصلاة بل يبطلها، ولا يسمى قرآنا، ولا يعطى قارئة بكل حرف عشرا، ولا يمنع بيعه ولا يكره اتفاقا، ولا يسمى بعضه آية ولا سورة اتفاقا أيضا
ثانيهاً - كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل تغييرها وتبديلها
ثالثهاً - بقية الأحاديث القدسية وهي ما نقل إلينا آحاداً عنه مع إسناده لها عن ربه فهي من كلامه تعالى فتضاف إليه وهو الأغلب ونسبتها إليه حينئذ نسبة إنشاء لأنه المتكلم بها أولاً وقد تضاف إلى النبي لأنه المخبر بها عن الله تعالى بخلاف القرآن فإنه لا تضاف إلا إليه تعالى فيقال فيه قال الله تعالى وفيها قال رسول الله فيما يروي عن ربه تعالى...(4)
قال السيوطي: كما ورد أن جبريل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن ومن هنا جاز رواية السنة بالمعنى لأن جبريل أداه بالمعنى ولم تجز القراءة بالمعنى لأن جبريل أداه باللفظ ولم يبح له إيحاءه بالمعنى والسر في ذلك أن المقصود منه التعبد بلفظه والإعجاز به فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه وإن تحت كل حرف منه معاني لا يحاط بها كثرة فلا يقدر أحد أن يأتي بدله بما يشتمل عليه والتخفيف على الأمة حيث جعل المنزل إليهم على قسمين قسم يروونه بلفظه الموحى به وقسم يروونه بالمعنى ولو جعل كله مما يروى باللفظ لشق أو بالمعنى لم يؤمن التبديل والتحريف فتأمل(5)
قال الزرقاني: أن القرآن أوحيت ألفاظه من الله اتفاقا وأن الحديث القدسي أوحيت ألفاظه من الله على المشهور والحديث النبوي أوحيت معانيه في غير ما اجتهد فيه الرسول والألفاظ من الرسول
بيد أن القرآن له خصائصه من الإعجاز والتعبد به ووجوب المحافظة على أدائه بلفظه ونحو ذلك وليس للحديث القدسي والنبوي شيء من هذه الخصائص والحكمة في هذا التفريق أن الإعجاز منوط بألفاظ القرآن فلو أبيح أداؤه بالمعنى لذهب إعجازه وكان مظنة للتغيير والتبديل واختلاف الناس في أصل التشريع والتنزيل أما الحديث القدسي والحديث النبوي فليست ألفاظهما مناط إعجاز ولهذا أباح الله روايتهما بالمعنى ولم يمنحهما تلك الخصائص والقداسة الممتازة التي منحها القرآن الكريم تخفيفا على الأمة ورعاية لمصالح الخلق في الحالين(6)
خلاصة الفروق بين القرآن والحديث القدسي:
1- القرآن الكريم لفظه ومعناه من عند الله عز وجل وأما الحديث القدسي فالمتفق عليه فيه أن معناه من عند الله عز وجل والخلاف في اللفظ
2- القرآن الكريم كل ما فيه من حروف وكلمات وجمل سبيل نقلها التواتر أما الحديث القدسي فيقع فيه المتواتر والآحاد
3- القرآن لا يقال في ثبوت حرف أو آية منه ضعف أما الحديث القدسي فيقع فيه الضعيف والموضوع
4- القرآن كله نزل عن طريق وحي جلي في حال اليقظة كقوله تعالى: (قلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله)(7) وقوله: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ)(
وقوله: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ)(9) أما الحديث القدسي فالثابت في التعاريف أنه قد يكون في المنام وقد يكون بالوحي والإلهام إلى غير ذلك مما ورد في التعريف
5- القرآن تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظه عن التبديل والتغيير والتصحيف فقال سبحانه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(10)
6- القرآن مختص بأنه مكتوب في اللوح المحفوظ دون غيره
7- القرآن متعبد بتلاوته ويقع عليها الثواب فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ)(11)
8- القرآن لا يجوز تبليغه وقراءته إلا بالقراءة المتواترة ولا يجوز بالمعنى أما الحديث القدسي فيجوز تبليغه بالمعنى
9- القرآن الكريم يلزم قراءته في الصلاة ولا يجوز معناه أما الحديث القدسي فيجوز قراءته بالمعنى
10- القرآن لا يقرأه ولا يمسه الجنب ولا الحائض ولا المحدث على قول الجمهور أما الحديث القدسي فيجوز مسه لكل هؤلاء
11- القرآن ينقسم إلى آيات وسور وأجزاء وأحزاب أما الحديث القدسي فليس كذلك
12- القرآن الكريم فيه تحدي وإعجاز في حروفه وآياته ونظمه وغير ذلك قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)(12) أما الحديث القدسي فغير ذلك
13- القرآن يكفر جاحده أما الحديث القدسي فلا يكفر إذا كان متأولا بضعف رواته أو نحو ذلك
14- القرآن ينسب إلى الله مطلقا أما الحديث القدسي لا ينسب إلى الله إلا مقيدا
15- القرآن يحرم بيعه عند الإمام أحمد ويكره عند الشافعية أما الحديث القدسي فلا
16- القرآن يحرم السفر به إلى أرض العدو خوف امتهانه بالنص، أما الحديث القدسي فبالقياس فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوّ»(13)
--------------------------------------------------------------------------------
(1) - فيض القدير (4/615)
(2) - فيض القدير (4/615)
(3) - انظر: الكوكب الدراري (9/ 75- 80) وكذا نقله عنه المدني في الإتحافات السنية/ 336
(4) - قواعد التحديث للقاسمي (66، 67)
(5) - الإتقان في علوم القرآن (1/127)
(6) - مناهل العرفان (1/37)
(7) - البقرة : 97
(
- الشعراء : 193
(9) - النحل :102
(10) - الحجر : 9
(11) - أخرجه الترمذي: كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ما له من الأجر (2910)
(12) - البقرة : 23، 24
(13) - متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو (2990)، مسلم: كتاب الإمارة، باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار (1869)