مناظرة ابن عباس للخوارج
أصل القصة
ناظر العالم الرباني ترجمان القرآن وخادم رسول الله عبد الله بن عباس الخوارج لبين لهم الفهم الصحيح للنصوص فرجع مَن رجع منهم، وبقي من لم يرجع على ضلاله وقصة مناظرته لهم في مستدرك الحاكم وفيها قول ابن عباس رضي الله عنه:
(أتيتكم من عند صحابة النَّبي من المهاجرين والأنصار لأبلغكم ما يقولون،فعليهم نزل القرآن، وهم أعلمُ بالوحي منكم، وفيهم أنزل، وليس فيكم منهم أحد، فقال بعضهم: لا تخاصموا قريشاً فإنَّ الله يقول: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ يقصد عبد الله بن عباس رضي الله عنه فقد كان قرشيا وهو ابن عم رسول الله
قال ابن عباس: وأتيت قوما لم أر قوما قط أشد اجتهاداً منهم مسهمة وجوههم من السهر، كأن أيديهم وركبهم تثنى عليهم فمضى من حضر، فقال بعضُهم: لنكلِّمنَّه ولننظرنَّ ما يقول قلت أخبروني ماذا نقمتم على ابن عمِّ رسول الله وصهره والمهاجرين والأنصار ؟ قالوا: ثلاثاً، قلت: ما هنَّ ؟ قالوا: أمَّا إحداهنَّ فإنَّه حكم الرِّجالَ في أمر الله، وقد قال الله تعالى :
إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَِ
وما للرِّجال وما للحكم، فقلت: هذه واحدة !!قالوا: وأما الأخرى فإنَّه قاتَل ولَم يسْب ولَم يغنَم، فلئن كان الذي قاتل كفَّاراً لقد حلَّ سبيُهم وغنيمتهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حلَّ قتالُهم، قلت: هذه ثنتان فما الثالثة ؟؟
قالوا: إنَّه مَحا نفسَه من أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين قلت: أعندكم سوى هذا؟ قالوا حسبنا هذا !!!
فقلت لهم: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنَّة نبيِّه ما يُردُّ به قولُكم أتَرضَون ؟ قالوا: نعم!
فقلت: أمَّا قولكم: حكَّم الرِّجال في أمر الله فأنا أقرأ عليكم ما قد رُدَّ حكمُه إلى الرِّجال في ثمن ربع درهم، في أرنب ونحوها من الصيد فقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ
فناشدتكم الله :
أحُكم الرِّجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل أم حكمهم في دمائهم وصلاح ذات بينهم؟! وأن تعلموا أنَّ الله لو شاء لَحَكم ولَم يُصيِّر ذلك إلى الرِّجال، وفي المرأة وزوجها قال الله عزَّ وجلَّ: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًان يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا
فجعل الله حكم الرِّجال سنة مأمونة، أخَرَجتُ من هذه؟ قالوا: نعم! قال: وأمَّا قولكم: قاتل ولم يسْب ولم يغنم، أَتَسبُون أمَّكم عائشة، ثمَّ تستحلُّون منها ما يُستحلُّ من غيرها؟! فلئن فعلتم لقد كفرتُم، وهي أمُّكم، ولئن قلتُم: ليست أمَّنا لقد كفرتُم!!!
إنَّ الله يقول: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ فأنتم تدورون بين ضلالَتين أيّهما صرتُم إليها صرتُم إلى ضلالة، فنظر بعضُهم إلى بعض، قلت أخرجتُ من هذه؟ قالوا نعم! وأمَّا قولكم: مَحا اسمَه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بمَن ترضَون وأريكم، قد سمعتُم أنَّ النَّبيَّ يوم الحُديبية كاتَبَ سُهيل بن عمرو وأبا سفيان بن حرب، فقال رسول الله لأمير المؤمنين اكتب يا علي: هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله فقال المشركون: لا والله! لو نعلم أنَّك رسول الله ما قاتلناك، فقال رسول الله : اللَّهم إنَّك تعلمُ أنِّي رسول الله، اكتب يا علي هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله، فو الله لرسول الله خيرٌ من علي وما أخرجه من النبوة حين محا نفسَه
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه فرجع من القوم ألفان وقُتل سائرُهم على ضلالة )
لقد أتى الخوارج من قبل فهمهم السقيم لنصوص الشرع ويرجع ضلالهم إلى أسباب أهمها:
1/ فهم النصوص ببادئ الرأي، وسطحية ساذجة، دون التأمل والتثبت من مقصد الشارع من النصوص، فوقعوا في تحريف النصوص وتأويلها عن معناها الصحيح.
2/ أخذهم ببعض الأدلة دون بعض، فيأخذون بالنص الواحد ويحكمون على أساس فهمهم له دون أن يتعرفوا على باقي النصوص الشرعية في المسألة نفسها، فضربوا بعض النصوص ببعض وبهذا أسكتهم ابن عباس رضي الله عنه فقد كان يأتيهم بباقي الأدلة في الموضوع نفسه، فلا يجدون لذلك جواباً وسبب ضلال الخوارج هو سبب ضلال طوائف عديدة من المسلمين