المرأة المسلمة في هذا العصر تعيش فراغا في كل شيء:
- فراغا في القدوة، فلا تجد من تقتدي بها في أخلاقها ودينها..
- فراغا في الإيمان، فلا تجد من يذكرها بالله تعالى ويطعم روحها من معاني القرآن والسنةإلا ما رحم ربي ..
- فراغا في الوقت، تشكو من كثرة الأوقات وقلة الأعمال..
وفي مقابل ذلك تواجه هجمة شرسة لهدم حرمتها، وإبراز عورتها، وتضييع كرامتها، بألفاظ براقة، ودعايات خداعة، تنادي بحقوقها ومساواتها بالرجل، زعموا ..
تصوروا فتاة لا تجد القدوة الحسنة التي تعلمها وتهذبها وتربيها لا في البيت ولا في المدرسة ولا الكلية، وتعاني ضعفا في الإيمان، وجهلا بأحكام الدين، يصاحب ذلك الفراغ وتوفر المال، ثم يأتيها جند إبليس من كل حدب وصوب يزينون لها الخروج والغزل والتبرج واللهو، يوهمونها أن ذلك من حقوقها، وأن فيه سعادتها وراحتها وملء فراغ وقتها، وقتل الملل الذي في حياتها......
ألا يدعوها كل ذلك إلى الانجراف إلى مواطن الخطر، وفساد الخلق، وضياع الحياء والدين؟..
نحن في هذه الكلمة العابرة نحاول أن نبرز لإختنا المسلمة القدوة والأسوة التي تبحث عنها فلا تجدها.... نجتهد في أن نقدم صورة مشرفة لفتاة مؤمنة صادقة تصلح أن تكون قدوة لكافة الفتيات والزوجات.
هذه الفتاة لم يتجاوز عمرها العشرون، كانت صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله، بشرها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالجنة مع السيادة فيها، فهي سيدة نساء العالمين في زمانها..
فمن هي؟..
وكيف نالت هذه الدرجة الرفيعة، في الوقت الذي يتهاوى فيه كثير من النساء،
والشيطان يتخذهن غرضا وهدفا لكل مفسد?..
قال عليه الصلاة والسلام: ( أريت النار، فرأيت أكثر أهلها النساء) .
لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه بالتبرج والسفور وتضييع حق الله عليها..
لم تكن لتصل إلى الجنة والسيادة على نسائها، وهي تخالل الشباب، غارقة في شهواتها..
لم تكن لتنال ذلك، وهي تقتدي بالكافرات، وتركب كل ما يزينه الشيطان لها..
لم تكن كذلك إلا وهي صاحبة مباديء وإيمان، صاحبة طاعة وعبادة لربها، قرة عين لزوجها، قائمة بحقه وحق بيتها، حافظة لعرضها وعفتها وجمالها، بعيدة عن أعين الرجال، محتشمة صادقة مؤمنة خاشعة..
فأيما فتاة أرادت أن تلحق بركبها، فلتركب مطيتها، ولتقتد بسيرتها، ولتتخذها أسوة.
قال عليه الصلاة والسلام فاطمة سيدة نساء أهل الجنة).
إنها ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الطاهرة النقية الطائعة المتعبدة الكارهة للتبرج والسفور، الصابرة على ما أصابها رضي الله عنها..
ولدت قبل البعثة بقليل، وتزوجها علي رضي الله عنه، في السنة الثانية للهجرة، وولدت له الحسن والحسين..
كان أبوها رسول الله يكرمها ويحبها لصدقها ودينها وصبرها، قالت عائشة رضي الله عنها:
"جاءت فاطمة تمشي ما تخطيء مشيتها مشية رسول الله، فقام إليها أبوها وقال مرحبا بابنتي)"..
ما قام لها وما أحبها إلا لعظم شأنها عند ربها..
لم تكن فتاة ككل الفتيات، ولم تكن امرأة ككل النساء، لم تفخر على النساء والقرينات بأبيها، ولم تتعال على زوجها بمنزلة أبيها، بل كانت رضي الله عنها نعم الزوجة لزوجها، تقوم على خدمته، وتسعى في رضاه، وتأتمر بأمره وتقف عند نهيه، مثال رائع لكل زوجة مع زوجها..
جاءت تشكو إلى رسول الله ما تلقى في يديها من الرحى إذا طحنت، وفي نحرها إذا حملت القربة، حتى أصابها الضر والجهد، وتسأله خادما، فجاءها رسول الله وعلي معها وقد دخلا في فراش إذا غطيا رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما، فقال لهما:
( ألا أدلكما على خير مما سألتماني إذا أخذتما مضجعكما أو آويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم) .
فرضيت وقنعت وصبرت على الفقر والشدة، رضي الله عنها، وهي بذلك ترسل رسالة حية إلى كل امرأة رضيت بالدعة والخمول، وآثرت الخروج من البيت والتسكع في الطرقات تاركة عمل بيتها وواجباتها، أن ذلك ليس من سبيل المؤمنات العاقلات السابقات، وتعلّم كل امرأة تتخذ خادمة في بيتها أن تسبيحها وتحميدها وتكبيرها لله تعالى هي وزوجها خير من خادم، وأعون على قضاء حوائج البيت وأعماله.
أما عن طاعتها لزوجها، فقد كانت تعلم وهي التي تربت في بيت النبوة والدين أن طاعة الزوج من موجبات دخول الجنة:
( إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، دخلت الجنة بإذن ربها) ..
لما مرضت أتى أبو بكر فاستأذن، فقال علي:
"يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك"..
فقالت: "أتحب أن آذن له؟"..
قال: "نعم"، فأذنت له..
قال الذهبي: "عملت السنة رضي الله عنها، فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره"..
ونساء اليوم يغلب عليهن عصيان الزوج، والتعدي على حقوقه، كما أن الأزواج كذلك لهم نصيب من ظلم الزوجات، لكن عليا وفاطمة رضي الله عنهما كانا خير زوجين لبعضهما، كانا يلتمسان رضا بعضهما..
وقد كانت رضي الله عنها تحب الحشمة والستر، وتكره التبرج والخلاعة والسفور، قالت لأسماء بنت عميس:
"إني أستقبح ما يصنع بالنساء، يطرح على المرأة الثوب، فيصفها"..
تقصد إذا ماتت ووضعت في نعشها..
قالت: "يا ابنة رسول الله، ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة"؟..
فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة:
"ما أحسن هذا وأجمله، إذا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل علي أحد".
هذه الطاهرة النقية تشعر بقلق خشية أن يبدو شيئا من وصف جسدها وهي ميتة، فكيف بها وهي حية؟..
وهذه رسالة بليغة لكل مسلمة رضيت أن تظهر زينتها ووصف جسدها لكل ناظر، وسارت أمام الرجال متبرجة سافرة.
رضي الله عنها، لم يصب أحد بمثل مصابها:
ماتت أمها خديجة رضي الله عنها، ثم إخوتها وأخواتها جميعا، ولم يبق لها من أهلها إلا أبوها، وفي يوم جاءت إليه فأسر لها بقرب رحيله، فبكت بكاء مرا، تخيلت نفسها وقد فقدت أعز الناس وصارت وحيدة من أهلها، فلما رأى رسول الله حزنها وبكاءها أسر لها بأنها أول من يتبعه من أهله، فزال حزنها وكربتها، وداخلها السرور، فضحكت..
وقد ذكر ابن حجر أن من أسباب فضلها على غيرها من النساء صبرها على وفاة أبيها، فإن كل بنات رسول الله متن في حياته فكن في صحيفته إلا هي فقد مات في حياتها فكان في صحيفتها، يدل على ذلك أنه لما رأى حزنها وبكاءها على قرب وفاته بشرها فقال:
(أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين)..
يعني إن صبرت واحتسبت، وفي رواية عند الطبري أنه قال لها:
(أحسب أني ميت في عامي هذا، وأنه لم ترزأ ـ تصب ـ امرأة من نساء العالمين مثل ما رزئت، فلا تكوني دون امرأة منهن صبرا)، فبكت، فقال: (أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم، فضحكت) .
---
ولما ثقل بالنبي جعل يتغشاه الكرب، فقالت: "واكرب أبتاه"، فقال: (ليس على أبيك كرب بعد اليوم)..
فلما مات حزنت عليه، وبكته، وقالت:
"يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه"..
وقالت بعد دفنه: "يا أنس، كيف طابت نفوسكم أن تحثوا التراب على رسول الله"..
عاشت بعده حزينة مكروبة مريضة سبعين ليلة ثم ماتت بعده بشهرين أو ثلاث، كانت زاهدة رضي الله عنها، ماتت وعمرها ثمان وعشرون عاما، فهي أسوة حسنة لكل مسلمة في أخلاقها وصبرها وطاعتها وحشمتها وعفتها، هدى الله النساء للسير على سنتها
اللهم أرزقنا جوارها في الجنه
آمين آمين يارب العالمين